ثانيًا: دراسة الأسانيد1 - دراسة أسانيد رواية أبي إسحاق السبيعي:
وقد سبق في التخريج أنه اختُلف عليه على ثلاثة عشر وجهًا، وفيما يلي دراسة أسانيد ما احتاج دراسةً من تلك الأوجه، وتحرير الراجح عن الرواة عن أبي إسحاق:
أولاً: دراسة أسانيد روايته عن عكرمة مولى ابن عباس، عن ابن عباس، عن أبي بكر - رضي الله عنهم -:
وقد روى هذا الوجه عن أبي إسحاق جماعة، واختُلف على بعضهم، وفيما يلي البيان:
أ- شيبان بن عبد الرحمن النحوي، وهو من الثقات (6)، وصحت روايته عنه، ولم أجده اختُلف عليه، إلا أن أبا حاتم الرازي قال: " ورواه شيبان عن أبي إسحاق عن عكرمة أن أبا بكر قال للنبي -صلى الله عليه وسلم- ... " (7)، فجعل رواية شيبان مرسلة بإسقاط ابن عباس، ولم أجد هذا الوجه عن شيبان، بل إن ابن أبي حاتم سأل أباه في موضع آخر من العلل (8) فذكر رواية شيبان موصولةً - على الصواب -.
وقد كان رواه أبو كريب محمد بن العلاء عن معاوية بن هشام عن شيبان، وعن أبي كريب على هذا الوجه تسعة (أحمد بن علي المروزي، والإمام الترمذي، ومحمد بن القاسم بن زكريا، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وجعفر بن أحمد بن نصر الحصيري، وأبو جعفر ابن حيان التمار (9)، وأحمد بن يحيى بن زهير التستري، والروياني، والسرّاج)، وقد خالفهم الحسن بن أحمد بن بسطام الزعفراني، فرواه عن أبي كريب عن معاوية بن هشام عن شيبان عن فراس المكتب عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري. وهذه الرواية منكرة، ولم أعرف راويها الحسن بن أحمد الزعفراني، ومخالفوه فيهم الأئمة الأثبات، وروايتهم أرجح، وذلك ظاهر جدًّا. ومن رأيته تكلم على رواية أبي سعيد أعلها بعطية العوفي، والخطأ فيما يظهر من دونه، والله أعلم.
ب- إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، وهو من أوثق الناس في جده أبي إسحاق (10)، وقد اختُلف عليه:
- فرواه عنه على هذا الوجه:
* عبيد الله بن موسى - فيما رواه ابن سعد عنه، مقرونةً روايته عنده برواية شيبان -، وعبيد الله من الثقات، وذُكر أنه أثبت الرواة عن إسرائيل (11)،
* وسعيد بن عثمان، ولم أعرفه، وفي إسناد روايته من لم أعرفه،
* وإسماعيل بن صبيح، وهو صدوق (12)،
- ورواه خلاد بن أسلم عن النضر بن شميل عن إسرائيل، واختُلف عنه:
* فرواه عبد الله بن محمد بن ناجية عن خلاد به على هذا الوجه، وقرن بإسرائيل أباه يونس، وابن ناجية من الثقات الحفاظ (13)،
* ورواه أبو عبد الله أحمد بن محمد بن المغلس عن خلاد به بإسقاط ابن عباس (على الوجه الثاني عن أبي إسحاق)، وابن المغلس ثقة (14)،
ولعل الرواية الثانية أرجح، إذ يُحتمل في الرواية الأولى أن راويها حمل رواية يونس على رواية إسرائيل، وهكذا الحال في الروايات المقرونة، حيث لا يضبط بعض الرواة الاختلاف بين الروايات؛ فيقرنها، وهي مختلفة في حقيقتها، وقد تُكُلِّم في بعض الرواة الحفاظ من أجل هذا، كحماد بن سلمة وغيره.
والرواية الأولى هي الجادة المسلوكة، حيث إثبات ابن عباس بعد عكرمة، فمخالفتها أقرب إلى التثبت والحفظ.
- وقد رواه عن إسرائيل على الوجه الثاني (بإسقاط ابن عباس):
* أبو أحمد الزبيري، وهو من الثقات الأثبات (15)، ورواه عنه ابن شبة في تاريخ المدينة، وابن شبة من الحفاظ (16)،
* ووكيع، وشهرته تغني عن ذكر ثقته، والإسناد إليه حسن (17)،
* وعبد الله بن رجاء، وهو من الصدوقين، ونصَّ أبو زرعة الرازي على أنه " حسن الحديث عن إسرائيل " (18)، والإسناد إليه صحيح،
* ومخول بن إبراهيم، وهو رافضي، وله اختصاص بإسرائيل، وقال عنه أبو حاتم الرازي: " صدوق " (19)،
* والنضر بن شميل على الراجح عنه - كما سبق قريبًا -.
فاجتمع هؤلاء الحفاظ على رواية الحديث عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن عكرمة عن أبي بكر بإسقاط ابن عباس، وروايتهم أقوى - كما هو ظاهر - من رواية من رواه بإثبات ابن عباس، وقد سبق أن أحدهم غير معروف، والآخر صدوق (20).
وأما رواية عبيد الله بن موسى عن إسرائيل، فالظاهر أنها خطأ سببه نحوُ ما سبق من قرن الروايات بعضها ببعض، فحُملت رواية إسرائيل على رواية شيبان إذ قرنت بها، فجعلتا سواء، وليستا كذلك، ويدل عليه أنه لم يَقْرِن إسرائيل بشيبان عن عبيد الله بن موسى سوى ابن سعد.
¥