تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد جاءت هذه من طريق عمرو بن أبي المقدام ثابت عن أبي إسحاق، وعمرو هذا ضعيف جدًّا، تركه بعض الأئمة، ورماه بعضهم بالرفض (96).

فهذه الرواية عن أبي إسحاق واهية.

سابعًا: خلاصة الخلاف على أبي إسحاق مما صح عن الرواة غير الهلكى والمتروكين عنه:

صحَّ أنه اختُلف على أبي إسحاق في هذا الحديث على أوجه:

الوجه الأول: رواه شيبان بن عبد الرحمن عن أبي إسحاق عن عكرمة عن ابن عباس عن أبي بكر - رضي الله عنه-.

الوجه الثاني: رواه أبو الأحوص سلام بن سليم، ومسعود بن سعد، وإسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، وأبو بكر بن عياش، وزهير بن معاوية، وعبد الملك بن سعيد بن أبجر= كلهم عن أبي إسحاق عن عكرمة عن أبي بكر - رضي الله عنه - مباشرة، بإسقاط ابن عباس.

الوجه الثالث: رواه علي بن صالح بن حي عن أبي إسحاق عن أبي جحيفة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.

الوجه الرابع: رواه زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل عن أبي بكر - رضي الله عنه -.

الوجه الخامس: رواه معمر عن أبي إسحاق عن النبي - صلى الله عليه وسلم - معضلاً.

والوجه الأخير يظهر أنه تقصير من أبي إسحاق أو معمر، حيث لم يورد كامل الإسناد، خروجًا من الخلاف إن كان المقصِّر معمرًا، وخوفًا من الخطأ أو نسيانًا إن كان المقصِّر أبا إسحاق، والله أعلم.

والخلاف في الحديث قوي، وذلك ما دعى البخاري أن يتوقف فيه حتى ينظر، حيث قال للترمذي بعد أن سأله عنه: " دعني أنظر فيه "، قال الترمذي: " ولم يقضِ فيه بشيء " (97).

وقد استظهر بعض العلماء من الأوجه الأربعة الأولى أن أبا إسحاق مضطرب في هذا الحديث، وأنه لا يصح من ذلك شيء:

أ- فقال البزار بعد أن ذكر بعض أوجه الخلاف: " والأخبار مضطربةٌ أسانيدها عن أبي إسحاق " (98)،

ب- وقال الدارقطني: " «شيبتني هود والواقعة» معتلةٌ كلها " (99)،

ج- وذكره ابن حجر مثالاً على المضطرب، ونقل الأوجه فيه من علل الدارقطني (100)، وقال عنه: " موصوف بالاضطراب " (101)، وتبعه على ذلك المؤلفون في المصطلح بعده،

د- وقال الألباني: " ثم بدا لي أن هذا الاختلاف على أبي إسحاق إنما هو من أبي إسحاق نفسه - وهو السبيعي -، فإنه كان قد اختلط، فهذا من اختلاطه " (102).

والحق أن اختلاط أبي إسحاق لم يكن فاحشًا، حتى إن بعض العلماء نفى عنه الاختلاط (103)، وإنما هو التغير والنسيان، حيث صار يحدث من حفظه، فيخطئ في الأسانيد، ويدخل بعضها في بعض.

والناظر إلى أوجه الخلاف في هذا الحديث يجد اتفاق جماعة عن أبي إسحاق على أحدها، وهو الثاني (الرواية عن عكرمة بإسقاط ابن عباس)، وفيهم إسرائيل حفيده، وهو أثبت الناس فيه في قول غير واحد من الأئمة، وكان يكتب حديث جده، وذَكَر هو أنه كان يحفظه كما يحفظ السورة من القرآن (104)، وقد توبع إسرائيل؛ تابعه جماعة من كبار أصحاب أبي إسحاق، الذين يُختلف فيهم أيهم أقوى فيه، كأبي الأحوص، وأبي بكر بن عياش، وزهير بن معاوية.

وقد ذُكر عن بعض هؤلاء أن سماعهم من أبي إسحاق بأخرة، لكن اتفاقهم على هذا الوجه يحدث له قوة، ويدل على أن أبا إسحاق كان يضبطه، فيحدث به كل هؤلاء.

ولهذا فقد رجّحه الإمام أبو حاتم الرازي، قال ابنه: سئل أبي عن حديث أبي إسحاق عن عكرمة عن ابن عباس: قال أبو بكر للنبي - صلى الله عليه وسلم -: ما شيبك؟ قال: «شيبتني هود ... » الحديث: متصلاً أصح؛ كما رواه شيبان؟ أو مرسلاً؛ كما رواه أبو الأحوص مرسلاً؟ قال: " مرسل أصح " (105).

وللإمام أحمد كلمة قد يُستفاد منها ترجيحه لهذا الوجه، حيث قال - بعد أن ذكر رواية علي بن صالح بذكر أبي جحيفة وخطَّأ ذكرَ أبي بكر فيها -: " وهو عندي وهم، إنما هو أبو إسحاق عن عكرمة " (106)، فكأن في وقوفه في ترجيحه بين أوجه هذا الحديث على عكرمة (دون ذكر ابن عباس) إشارةً إلى أنه يرجح المرسل.

وترجيح هذين الإمامين الحافظين ذو قوة ووجاهة، إلا أن الأوجه الأخرى عن أبي إسحاق تحتاج نظرًا.

والذي يظهر أن مَنْ حكم مِن الأئمة على الحديث بالاضطراب نظر إلى كثرة الأوجه وتضاربها واختلافها؛ فرآه اضطرابًا، وهذه جادة مطروقة للأئمة - خاصة المتقدمين -، حيث يطلقون الاضطراب على الاختلاف الشديد، وتكاثر الأوجه والطرق المختلفة، ومن ذلك حديث ابن مسعود: " إنها ركس "، وغيره.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير