تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولما كان في ثبوت كثير من تلك الروايات (التي حُكم بسببها على الحديث بالاضطراب) = نظر، إذ لم يثبت عن أبي إسحاق إلا خمسة أوجه منها - كما سبق -، فإنه يُنظر إلى هذه الأوجه على أنها اختلاف على أبي إسحاق، يُرجَّح فيه ما هو راجح، ويُخطَّأ ما كان خطأً.

والذي يظهر - والله أعلم -: أن الأرجح في الرواية: الوجه الذي رجحه أحمد وأبو حاتم، لأن أكثر الرواة عن أبي إسحاق عليه، وبعضهم من أقوى الناس فيه. والله أعلم.

النظر في مدار الوجه الراجح:

رواه أبو إسحاق السبيعي عن عكرمة مولى ابن عباس بذكر أبي بكر، ووقع في صيغة الرواية بين عكرمة وأبي بكر اختلاف، بيانه فيما يلي:

- فقد اختُلف على أبي الأحوص:

* فرواه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد الله بن الجراح عنه بلفظ: ... عن عكرمة قال: قال أبو بكر: يا رسول الله ... ،

* ورواه عفان وإسحاق بن عيسى وعثمان بن أبي شيبة وخلف بن هشام والعباس بن الوليد النرسي وعمرو بن عون= عنه بلفظ: ... عن عكرمة قال: قال أبو بكر: سألت رسول الله ... .

والفرق بين الصيغتين: أن عكرمة يحكي في الأولى ما حصل بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر، ويحكي في الثانية حكاية أبي بكر ما حصل بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم -.

- ورواه أبو نعيم الفضل بن دكين عن مسعود بن سعد، واختُلف عنه:

* فرواه ابن سعد عنه بلفظ: ... عن عكرمة قال: قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم - ... ،

* ورواه علي بن عبد العزيز ومحمد بن الحسين الحنيني والسري بن يحيى والهيثم بن خالد عنه بلفظ: ... عن عكرمة قال: قال أبو بكر: يا رسول الله ... ،

ولعل هذا الاختلاف عن أبي نعيم غير مؤثر، فابن سعد لم يسمِّ أبا بكر، والباقون سموه، وعكرمة في الحالين يحكي ما حدث بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر.

- واتفق الباقون عن أبي إسحاق (إسرائيل وأبو بكر بن عياش وزهير بن معاوية) على الرواية بلفظ: ... عن عكرمة قال: قال أبو بكر: يا رسول الله ... .

ولعل أبا الأحوص رواه بمعنى الصيغة - إن كان الأصح عنه الرواية بلفظ: قال أبو بكر: سألت رسول الله -، أو لعل هذا الاختلاف ممن دونه.

والمؤدَّى في ذلك واحد حكمًا، فإن كان اللفظ عن عكرمة: قال أبو بكر: يا رسول الله ... ؛ فالحديث من مراسيل عكرمة، وإن كان عن عكرمة: قال أبو بكر: سألت رسول الله ... ؛ فالحديث منقطع، لأن عكرمة لم يسمع أبا بكر - رضي الله عنه - (107).

والله أعلم.

تنبيه: أخذ الشيخ محمد بن رزق بن طرهوني صاحب موسوعة فضائل سور وآيات القرآن على الدارقطني وغيره أنه لا يفرق بين ما سبق بيانه من أوجه الخلاف في الصيغة بين عكرمة وأبي بكر، حيث ذكر الشيخ أربعة أسانيد:

1 - عن عكرمة عن ابن عباس عن أبي بكر قال: سألت رسول الله ... ،

2 - عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال أبو بكر: يا رسول الله،

3 - عن عكرمة قال: قال أبو بكر: سألت رسول الله ... ،

4 - عن عكرمة قال: قال أبو بكر: يا رسول الله.

ثم قال: " وهذه الأسانيد الأربعة المذكورة أسانيد صحيحة، وكثيرًا ما يخلط الرواة وحتى الحفاظ كالدارقطني وغيره وكذا محققي الكتب بين الطريق الأول والثاني، وكذا بين الطريق الثالث والرابع، فلا يفرقون بين كونه من مسند ابن عباس أم من مسند أبي بكر، ولا يفرقون بين كونه مرسلاً من مراسيل عكرمة أو أنه منقطعًا - كذا - أي: سقط ما بين عكرمة وأبي بكر " (108).

وفي كلامه مؤاخذات، فقوله أولاً: هذه الأسانيد أسانيد صحيحة= ينقضه قوله: مرسلاً من مراسيل عكرمة أو منقطعًا بين عكرمة وأبي بكر.

والإسناد الأول مما ذكره لم أجد الدارقطني ذكره أو تطرق إليه أبدًا!

بل لم أجده فيما بين يدي من مرويات إلا في رواية الحاكم من طريق مسدد عن أبي الأحوص، وهذه فيها نظر عن مسدد، فإن صحت عنه فهي معلولة بمخالفة الجمع من أصحاب أبي الأحوص.

بل ذِكْرُ قول أبي بكر: " سألت رسول الله " مع ذِكْرِ ابن عباس= يؤيد خطأها عن مسدد، إذ هذه الصيغة مشهورة عن أبي الأحوص في الوجه الثاني عنه بإسقاط ابن عباس، فالظاهر أن مسددًا رواه عنه كذلك.

وليس في روايات ابن عباس عن أبي بكر إلا قوله: " يا رسول الله "، سوى هذه الرواية عن مسدد؛ جاءت بلفظ: " سألت رسول الله "!

فدعوى خلط الدارقطني بين الإسنادين الأول والثاني مما ذكره الشيخ الطرهوني باطلة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير