تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الأول: ما سبق من ذكرِ ابن حبان أن للتمار أخطاءً، فلا يبعد أن يكون هذا الحديث خطأً من أخطائه.

الثاني: أن للتمار أخطاءً عن أبي الوليد الطيالسي (شيخه في هذا الحديث) خاصةً، وقد وقفتُ على اثنين من ذلك:

أحدهما: ما ذكره الحاكم قال: " حدثنا الإمام أبو بكر ابن إسحاق، قال: حدثنا محمد بن محمد بن حيان التمار، قال: حدثنا أبو الوليد، قال: حدثنا مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: ما عاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طعامًا قط، إن اشتهاه أكله، وإلا تركه ".

قال الحاكم: " هذا إسناد تداوله الأئمة والثقات، وهو باطل من حديث مالك، وإنما أريد بهذا الإسناد: ما ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده امرأة قط، وما انتقم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفسه إلا أن تنتهك محارم الله فينتقم لله بها ".

قال: " ولقد جهدت جهدي أن أقف على الواهم فيه من هو، فلم أقف عليه، اللهم إلا أن أكبر الظن على ابن حبان البصري، على أنه صدوق مقبول " (129).

فهذا حديث أنكره الإمام الحاكم، وحمل نكارته ابن حيان التمار البصري، وهو من روايته عن أبي الوليد الطيالسي.

ثانيهما: ما ذكره الخطيب من إنكار الحاكم والأئمة لحديث شعبة عن الزبير بن عدي عن أنس قال: " لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه، سمعنا ذلك من نبيكم - صلى الله عليه وسلم - "، وأنهم ذكروا أن لا أصل له عن شعبة، ثم قال: " قلت: قد روى حديث شعبة هذا سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني عن علي بن عبد العزيز عن مسلم بن إبراهيم، وحدث به أيضًا محمد بن محمد بن حيان التمار البصري عن أبي الوليد الطيالسي عن شعبة، ثم تركه بآخرة، وقد أُنكر عليه " (130).

فهذا الحديث أنكره الأئمة على محمد بن محمد التمار حيث رواه عن أبي الوليد الطيالسي، حتى تركه.

وذلك يدل على أن التمار قد يتوهم الحديث عن أبي الوليد مع أنه لا أصل له عن شيوخ أبي الوليد، فيغلط في ذلك ويخطئ.

الثالث - من مؤيدات خطأ هذه الرواية -: أن احتمال اضطراب التمار في هذا الحديث قائم وقوي، فإنه قد رواه الطبراني عنه على هذا الوجه، ورواه الحافظ دعلج بن أحمد - وهو من الحفاظ الثقات الأثبات (131) - عن التمار عن أبي كريب محمد بن العلاء عن معاوية بن هشام عن شيبان عن أبي إسحاق عن عكرمة عن ابن عباس بذكر أبي بكر - رضي الله عنه -، وقد سبقت روايته هذه في ذلك الوجه، وهذا الاختلاف مما لا يحتمل عنه مع كونه يخطئ ويهم، خاصة عن شيخه أبي الوليد.

الرابع: أن الرواة عن أبي الوليد أئمة أجلاء، وحفاظ كبار (كابن راهويه والبخاري وأبي زرعة وأبي حاتم والذهلي ويعقوب بن شيبة)، وهذا الحديث - لو كان يصح عن أبي الوليد - مما يحرص عليه العارف بالحديث، فلو كان صحيحًا لجاءت روايات الأئمة الكبار متكاثرة عن أبي الوليد به، ولم ينفرد به هذا الراوي الذي تُنكَر عليه بعض الأحاديث، خاصة عن أبي الوليد.

الخامس: أن إسناد هذه الرواية كالشمس في أسانيد المصريين، ولو كانت تصح لتسابق الرواة إلى روايتها؛ إما عن الليث، أو عن أبي الوليد.

السادس: أن الأئمة لم يذكروها أو يشيروا إليها في كلامهم على هذا الحديث، ولا اعتمدها أحدهم، ولا صححوا الحديث بها، فغيابها عنهم مع شهرة هذا الحديث عندهم= قرينة على أنها حادثةٌ بعدهم وهمًا، أو أنهم لم يعتمدوها.

السابع: أن كتاب الطبراني من كتب الغرائب والمناكير، قال ابن رجب: " ونجد كثيرًا ممن ينتسب إلى الحديث لا يعتني بالأصول الصحاح كالكتب الستة ونحوها، ويعتني بالأجزاء الغريبة، وبمثل مسند البزار ومعاجم الطبراني وأفراد الدارقطني، وهي مجمع الغرائب والمناكير " (132)، والإسناد الذي تفرد به كتابٌ هذه حاله، ولم يوجد في غيره= مستحقٌّ للنظر فيه، وعدم الاعتماد والركون إليه، خاصة إذا ضم إلى ذلك ما سبق من القرائن.

الثامن: أن الدارقطني قال - وقد سبق -: " «شيبتني هود» معتلة كلها "، وقد يُخصّ هذا بالأسانيد التي توسع الدارقطني في تخريجها في العلل، وهي طريق أبي إسحاق السبيعي والخلاف عليه، إلا أنه قد يُستفاد من عموم قول الدارقطني أنه لم يجد للحديث طريقًا تصح، فدل على أنه لم يعتمد رواية التمار عن أبي الوليد. والله أعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير