فمن ذلك حديث أبي بن العباس بن سهل بن سعد () عن أبيه () رضي الله عنه في ذكر خيل النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم في حائطنا فرس يقال لها اللحيف. قال أبو عبد الله وقال بعضهم: اللخيف ().
وأبي هذا قد ضعفه لسوء حفظه أحمد بن حنبل ويحي بن معين والنسائي. ولكن تابعه عليه أخوه عبد المهيمن بن العباس () أخرجه ابن ماجه من طريقه. وعبد المهيمن فيه ضعف. فاعتضد. وانضاف إلى ذلك أنه ليس من أحاديث الأحكام، فلهذه الصورة المجموعة حكم البخاري بصحته (). وكذا حكم البخاري بصحة حديث معاوية بن إسحاق بن طلحة عن عمته عائشة بنت طلحة عن عائشة – رضي الله عنها – أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الجهاد فقال صلى الله عليه وسلم: " جهادكن الحج والعمرة " ().
ومعاوية ضعفه أبو زرعة ووثقه أحمد والنسائي ().
وقد تابعه عليه عنده حبيب بن أبي عمرة () فاعتضد ().
في أمثلة كثيرة قد ذكر الحافظ كثيراً منها في مقدمة شرحه للبخاري ويوجد في كتاب مسلم منها أضعاف ما في البخاري. (ص 147).
وقال الحافظ ابن حجر – مبيناً مراتب الرواة من حيث الضبط – عند الإمام البخاري:
" وأما الغلط فتارة يكثر في الراوي وتارة يقل، فحيث يوصف بكونه كثير الغلط، ينظر فيما أخرج له، إن وجد مروياً عنده أو عند غيره من رواية غير هذا الموصوف بالغلط، علم أن المعتمد أصل الحديث لا خصوص هذه الطريق، وإن لم يوجد إلا من طريقة فهذا قادح يوجب التوقف فيما هذا سبيله – وليس في الصحيح – بحمد الله، من ذلك شيء، وحيث يوصف بقلة الغلط، كما يقال سيء الحفظ، أو له أوهام، أو له مناكير، وغير ذلك من العبارات، فالحكم فيه كالحكم في الذي قبله، إلا أن الرواية عن هؤلاء في المتابعات أكثر منها عند المصنف من الرواية عن أولئك " ().
ومن هنا يتبين لنا أن منهج البخاري في تصحيح الأحاديث هو النظر في الحديث بمجموع طرقه وأسانيده، وليس النظر في خصوص كل إسناد على انفراده، وليس هذا منهجاً للإمام البخاري فحسب بل هو منهج كل المحدثين النقاد كالإمام مسلم والترمذي وغيرهم، لذلك نرى الإمام مسلم يورد في صحيحه بعض الأحاديث التي في إسنادها ضعف ثم يورد لها الشواهد والمتابعات فيكون ذلك الحديث صحيحاً بمجموع تلك الطرق، وكذلك الإمام الترمذي فإنه يورد في كثير من الأحيان أحاديث في رواتها ضعف، ويتكلم على أولئك الرواة فيقول مثلاً: " فلان ليس بالقوي "، أو "ليس بذاك " ونحوها من عبارات التليين، ثم يحكم على الحديث بالصحة أو الحسن أو هما معاً، باعتبار شواهده ومتابعاته لأنه يعقب على ذلك الحكم غالباً بقوله وفي الباب عن فلان وفلان … وشرح هذا الأمر وذكر الأمثلة عليه يطول، ومن ينظر في الجامع الصحيح للإمام مسلم وجامع الإمام الترمذي بتمعن يتبين له ذلك، والذي أركز عليه هو ذكر أمثلة ونماذج من صحيح الإمام البخاري، قواها البخاري وصححها بمجموع طرقها لا بخصوص أسانيدها. (ص 148)
الحواشي
() الموقظة ص79 – 81.
() شروط الأئمة الخمسة ص69 – 70.
() انظر ص45 من هذه الرسالة.
() ابن القيم الجوزية: زاد المعاد في هدي خير العباد – تحقيق شعيب الأرنائوط وعبد القادر الأرناؤوط – مؤسسة الرسالة – الطبعة الثامنة، سنة 1405هـ – 1985م، ج1 ص364.
() أبو عمرو بن الصلاح: صيانة صحيح مسلم – دراسة وتحقيق موفق بن عبد الله بن عبد القادر – دار الغرب الإسلامي – الطبعة الأولى، سنة 1404هـ – 1984م، ص72 – 74.
() النكت على كتاب ابن الصلاح ص134.
() المصدر نفسه ص134.
() فيه ضعف من السابعة. انظر التقريب ص96، وهدي الساري ص408.
() ثقة، مات في حدود (120هـ) وقيل قبل ذلك، انظر التقريب ص293.
() أخرجه البخاري في كتاب الجهاد، باب اسم الفرس والحمار الحديث (2800)، ج6 ص69 مع الفتح.
() ضعيف من الثامنة، مات بعد السبعين ومائة روى له الترمذي وابن ماجه، انظر التقريب ص366.
() النكت ص134.
() أخرجه البخاري في كتاب الجهاد، باب جهاد النساء رقم (2875) ج6 ص85.
() انظر الكاشف: ج3 ص156 وهدي الساري ص466.
() حبيب بن أبي عمرة القصاب أبو عبد الله الحماني، بكسر المهمة، الكوفي، ثقة مات سنة (142هـ) ترجمته في: التقريب ص151.
() أخرج البخاري حديثه عقيب حديث معاوية بن إسحاق السابق، رقم (2876)، ج6 ص89.
وهذه روابط أخرى للفائدة:
¥