تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فَلا بُدَّ لِلْعَبْدِ مِنْ أَنْ يَمُوتَ، سِوَى مَصَائِبَ أُخْرَى، وَرَزَايَا عِظَامٍ تَكُونُ مِمَّا كَتَبَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا، فَكُلُّ هَذَا تَسْمَعُ أُمُّ ذِي الْقَرْنَيْنِ، وَقَدْ مُلِئَتْ مِنْهُ عَجَبَاً، وَلَيْسَتْ تَدْرِي مَا يُرِيدُ الدِّهْقَانُ، ثُمَّ إِنَّ الدِّهْقَانَ بَعَثَ مُنَادِيَاً بَعْدَمَا تَكَلَّمَ النَّاسُ، وَخَاضُوا فِيهِ فَأَذَّنَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ فُلانَاً الدِّهْقَانَ قَدْ أَذِنَ لَكُمْ لِتَحْضُرُوا عِنْدَهُ يَوْمَ كَذَا، فَلا يَحْضُرَنَّهُ إِلاَّ رَجُلٌ قَدِ ابْتُلِيَ وَأُصِيبَ، أَوْ فُجِعَ، وَإِيَّاكُمْ أَنْ يَحْضُرَهُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ عَرِي مِنَ الْبَلَايَا، لِأَنَّهُ لا خَيْرَ فِيمَنْ لا يُصِيبُهُ الْبَلاءُ، فَلَمَّا فَعَلَ هَذَا تَكَلَّمَ النَّاسُ فَقَالُوا: هَذَا رَجُلٌ قَدْ بَخِلَ، ثُمَّ نَدِمَ وَاسْتَحْيَى فَتَدَارَكَ رَأْيَهُ وَحَجَا عَيْبَهُ، لَمَّا اجْتَمَعَ النَّاسُ خَطَبَهُمْ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي مَا جَمَعْتُكُمْ لِمَا دَعَوْتُكُمْ لَهُ، وَلَكِنْ جَمَعْتُكُمْ لأُكَلِّمَكُمْ فِي ذِي الْقَرْنَيْنِ فِيمَا لَحِقَنَا بِهِ مِنْ فَقْدِ صَاحِبِنَا وَفِرَاقِهِ، إِنَّهُ عَمَدَ إِلَى أَعْظَمِ أَهْلِ الأَرْضِ حِلْمًا وَعِلْمًا، وَحُكْمًا وَخَطَرَاً، وَأَبْعَدِهِمْ صَوْنَاً، وَأَشَدِّهُمْ حِيلَةً وَبَأْسًا، وَقَلْبَاً وَجَنَاحَاً، فَاجْتَلَحَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا فِي مِثْلِ قِلَّتِنَا وَضَعْفِنَا، وَحَاجَتِنَا إِلَيْهِ، فَلَمَّا عَظُمَتْ مُصِيبَةٌ عَلَيْنَا نَظَرْتُ فِي مَوَاقِعِ الْبَلاءِ، فَوَجَدْتُ الْبَلَاءَ لَنَا الأُسْوَةَ الْحَسَنَةَ مُنْذُ يَوْمِ خَلَقَ اللهُ تَعَالَى آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا، فَتَعَزَّيْتُ بِذَلِكَ، وَأَرَدْتُ أَنْ أَقُصَّ عَلَيْكُمْ هَذَا الْعَزاءَ لِتَصْبِرُوا وَتُسَلِّمُوا، وَتَرْضَوْا بِقَضَاءِ رَبِّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَلَوْ نَظَرْتُمْ فِيمَا قَصَصْتُ عَلَيْكُمْ مَعَ مَوَاقِعِ الْبَلاءِ لَوَجَدْتُمْ أُعْظَمَهُ، وَأَشَدَّهُ عَلَى النَّبِيِّينَ، ثُمَّ خِيَارِ النَّاسِ بَعْدَهُمُ، ابْتَلَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ أَوَّلَ خَلْقِهِ وَهُوَ خِيرَتُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ خَلَقَهُ اللهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، وَأَسْجَدَ لَهُ مَلائِكَةً، وَأَسْكَنَهُ جَنَّتَهُ، وَأَكْرَمَهُ بِكَرَامَةٍ لَمْ يُكْرِمْهَا أَحَدَاً مِنْ خَلْقِهِ قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ، ثُمَّ ابْتَلاهُ بِأَعْظَمِ بَلِيَّةٍ كَانَتْ فِي الدُّنْيَا مِنْ حِينِ خَلَقَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَذَلِكَ الْخُرُوجُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَهِيَ الْمُصِيبَةُ الَّتِي لا جُبْرَانَ لَهَا، فَمَنْ مِثْلُ آدَمَ، وَمَنْ هَذَا لَيْسَ لَهُ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، وَعَزَاءٌ عَظِيمٌ بِآدَمَ، ثُمَّ ابْتَلَى اللهُ مَنْ بَعْدَهُ بِالْحَرِيقِ وَالْجَلاءِ، وَابْتَلَى إِسْحَاقَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِالذَّبْحِ، وَيَعْقُوبَ بِالْحُزْنِ، وَالْبَلَاءِ وَعَمَى الْبَصَرِ، وَيُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِالرِّقِّ، وَأَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِالسُّقْمِ وَالْمَالِ وَالْوَلَدِ، وَيَحْيَى عَلَيْهِ السَّلامُ بِالذَّبْحِ، وَزَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلامُ بِالْقَتْلِ، وَعِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ بِالأَسْرِ، وَخَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ كَثِيرٌ لا يُحْصِيهِمْ إِلاَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ هَذَا الْكَلامِ عَارَضُوا كَلامَهُ وَأَجَابُوهُ، فَأَحْسَنُوا إِجَابَتَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُمُ: انْطَلِقُوا بِنَا نُعَزِّ أُمَّ الإِسْكَنْدَرِ، وَنَنْظُرُ كَيْفَ صَبْرُهَا، فَإِنَّهَا أَعْظَمَتْ مُصِيبَةً فِي ابْنِهَا، لَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهَا، قَالُوا لَهَا: هَلْ حَضَرْتِ الْجَمْعَ، أَوْ سَمِعْتِ الْكَلامَ؟، قَالَتْ لَهُمْ: مَا غَابَ عَنِّي مِنْ أَمْرِكُمْ شَيْءٌ، وَلا سَقَطَ عَلَيَّ مِنْ كَلامِكُمْ شَيْءٌ، وَمَا كَانَ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَعْظَمَ مُصِيبَةً فِي

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير