المثال الثاني: الحارث بن عبد الله الأعور الشيعي الكوفي وهذا المثال يهدم الدعوى من أساسها، فقد قال عنه يحيى بن معين في رواية الدوري: ليس به بأس. وقال عثمان الدارمي: سألت يحيى بن معين عن الحارث الأعور فقال: ثقة. فانظر إلى توافق هذا الإمام وإتقانه، وقد نقل هذا التوثيق عن ابن معين غير واحد منهم ابن شاهين في الجزء المطبوع بنهاية تاريخ جرجان (ص 655 - 656).
فإن قيل: قال عثمان بن سعيد الدارمي بعد حكايته عن ابن معين ما نصه: ليس يتابع يحيى على هذا. ا ه*.
قلت: هذا مبلغ علم الدارمي، فقد وثقه أحمد بن صالح المصري وقال ابن معين: ما زال المحدثون يقبلون حديثه، وهذا من يحيى بن معين الإمام في هذا الشأن زيادة لقبول حديث الحارث وثقته كما قال ابن شاهين (ص 655 - 656).
المثال الثالث: لم أجد راويا يقول عنه ابن معين: " لا بأس به " في الموضع المشار إليه (الجرح والتعديل 3/ 11).
المثال الرابع: أبان بن إسحاق الأسدي الكوفي، هذا المثال أيضا من أكبر الأدلة على وهن كلامه، فإن أبان بن إسحاق فيه أربعة أقوال في التهذيب: قول ابن معين ليس به بأس، وتوثيق العجلي وابن حبان، وقول الأزدي متروك الحديث. فالرجل ليس بضعيف فهو خارج عن موضوع الدعوى، وقد اعتمد الحافظ قول ابن معين على أنه توثيق للرجل فقال في التقريب: ثقة تكلم فيه الأزدي بلا حجة. ا ه*.
وقد قال الحافظ العراقي في ألفية الحديث: وابن معين قال: من أقول لا بأس به فثقة. . . . . . . . . . . . .
والحاصل أن كلام صاحب " الكشف والتبيين " أبان عن محاولته رد توثيق ابن معين دفعا بالصدر فيلوي عنق النص، ثم هو يستخف بالقراء ويضحك عليهم بإيراد أمثلة لا طائل تحتها، بل لك أن تقول: إنها عليه لا له، والله تعالى أعلم بالصواب.
وبعد أن تبين لك أن يحيى بن معين قد وثق عطية العوفي، فإنك قد تقف على أقوال ليحيى بن معين ظاهرها قد يشير إلى غير ذلك كرواية موسى بن أبي الجارود، فهي وجادة منقطعة، ورواية ابن أبي مريم وهو مصري وأصحاب يحيى بن معين البغداديين ولا سيما عباس الدوري أكثر ملازمة والتصاقا بيحيى بن معين فرواياتهم مقدمة على رواية غيرهم والله أعلم.
بقي الكلام على ما جاء في المطبوع باسم " التاريخ الصغير " للبخاري (ص 133) عن علي بن المديني عن يحيى بن معين: عطية وهارون العبدي وبشر بن حرب عندي سواء.
فمعناه والله أعلم أنهم سواء في الطبقة والمذهب، فهم من شيعة التابعين، ويشتركون في الرواية عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وكيف يسوى يحيى بن معين بين أبي هارون العبدي وعطية العوفي وقد قال عن أولهما: غير ثقة وكان يكذب، بينما وثق الثاني ورفع شأنه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 162 ›
(1) قال صاحب الكشف والتبيين (ص 38) عن قول ابن معين في عطية العوفي ما نصه: وأما قوله في تاريخ الدوري (صالح) فهذا تمريض منه للقول فيه كما صرح بمثله الحافظ في الهدى (ص 417). ا ه*.
قلت: قائل هذه العبارة هو ابن حبان وليس الحافظ وهذا ظاهر لمن نظر في هدي الساري (ص 417) في ترجمة عبد الرحمن بن سليمان المعروف بابن الغسيل، وأصرح من هذا أنك تجد هذا النص في المجروحين لابن حبان (2/ 57) هذه واحدة.
والثانية: تقرر في قواعد الحديث أن الناقد إذا سئل عن حال حديث الرجل فقال: صالح، هذا يعتبر من باب التعديل، فيكون الرجل موثقا بهذا القول لأنه صالح الحديث، لكن هذا لا يعني أنه في المرتبة العليا من التوثيق فمثله يحسن حديثه.
فإذا قلت: إنها عبارة تمريض فيمكن قبول هذا على أنه ليس من الجرح ولكنه تمريض بالنسبة للدرجة العليا من التوثيق، فإنك قد مرضت هذا بالنسبة للآخر فهو كلام نسبي، أما إذا اعتبرت أن هذا من الجرح فهذا فهم سقيم لا يحسد عليه صاحبه.
¥