فإن الأحاديث تنقسم الى صحيح وحسن وضعيف وأشار إلى أنه ليس بثابت أي ليس من جنس الصحيح الذي رواه الحافظ الثقة عن مثله وذلك لا ينفي أن يكون حسنا وهو حجة.
ومن تأمل الحافظ الإمام علم أنه لم يوهن الحديث وإنما بين مرتبته في الجملة أنه دون الأحاديث الصحيحة الثابتة وكذلك قال في موضع آخر: أحسنها حديث أبي سعيد ولو لم يكن فيها حسن لم يقل فيها أحسنها, وهذا معنى احتجاج أحمد بالحديث الضعيف وقوله: ربما أخذنا بالحديث الضعيف وغير ذلك من كلامه يعني به الحسن
فأما ما رواه متهم أو مغفل فليس بحجة أصلا.
ويبين ذلك وجوه أحدها أن البخاري أشار في حديث أبي هريرة إلى أنه لا يعرف السماع في رجاله وهذا غير واجب في العمل بل العنعنة مع إمكان اللقاء ما لم يعلم أن الراوي مدلس.
وثانيها: أنه قد تعددت طرقه وكثرت مخارجه وهذا مما يشد بعضه بعضا ويغلب على الظن أن له أصلا.
وروي أيضا مرسلا رواه سعيد عن مكحول عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال:
اذا تطهر الرجل وذكر اسم الله طهر جسده كله واذا لم يذكر اسم الله لم يطهر منه إلا مكان الوضوء.
وروى الدراوردي ثنا محمد بن أبي حميد عن عمر بن يزيد أن رجلا توضأ ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه و سلم فكأن النبي صلى الله عليه و سلم اعرض عنه وقال له تطهر فرجع فتوضأ ثم اجتهد فجاء فسلم فأعرض عنه وقال ارجع فتطهر فلقي الرجل عليا فاخبره بذلك فقال له علي: هل سميت الله حين وضعت يدك في وضوئك؟ فقال: لا والله فقال: ارجع فسمي الله في وضوئك فرجع فسمى الله على وضوئه ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه و سلم فسلم عليه فرد عليه وأقبل عليه بوجهه ثم قال: إذا وضع أحدكم طهوره فليسم الله رواه الجوزجاني عن نعيم بن حماد عنه.
وثالثها: أن تضعيفه إما من جهة إرسال أو جهل راو وهذا غير قادح على إحدى الروايتين وعلى الاخرى وهي قول من لا يحتج بالمرسل نقول اذا عمل به جماهير اهل العلم وأرسله من أخذ العلم عن غير رجال المرسل الأول أو روي مثله عن الصحابة أو وافقة ظاهر القرآن فهو حجة.
وهذا الحديث قد اعتضد بأكثر ذلك فإن عامة اهل العلم عملوا به في شرع التسمية في الوضوء ولولا هذا الحديث لم يكن لذلك أصل وإنما اختلفوا في صفة شرعها هل هو ايجاب او ندب وروي من وجوه متباينة مسندا ومرسلا ولعلك تجد في كثير من المسائل ليس معهم أحاديث مثل هذه.
ورابعها: أن الامام احمد قال أحسنها يعني أحاديث هذا الباب حديث أبي سعيد وكذلك قال إسحاق بن راهويه وقد سئل أي حديث اصح في التسمية فذكر حديث أبي سعيد.
وقال البخاري: أحسن حديث في هذا الباب حديث سعيد بن زيد
وهذه العبارة وإن كانوا إنما يقصدون بها بيان أن الأثر أقوى شيء في هذا الباب فلولا أن أسانيدها متقاربة لما قالوا ذلك.
شرح العمدة (1
173) عن الشاملة
فهذان إمامان من المتقدمين على صحة الحديث الإمام أحمد وأبو بكر بن أبي شيبة
والله أعلم
ـ[محمد بن عبدالله]ــــــــ[24 - 11 - 07, 09:38 ص]ـ
الشيخ عبد الباسط: وإياكم.
وكلام شيخ الإسلام -رحمه الله- فيه مناقشة ونظر.
وأنبه أولاً -ولا أظن هذا يخفاكم- أن شرح العمدة كان من أوائل مصنفات شيخ الإسلام -رحمه الله-، وأنه إنما كان فيه يستدلّ للمذهب ويبيّنه ويؤيّده.
فأما قول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:
وتضعيف أحمد لها محمول على أحد الوجهين إما أنها لا تثبت عنده أولا لعدم علمه بحال الراوي ثم علمه فبنى عليه مذهبه برواية الوجوب ولهذا أشار الى أنه لا يعرف رباحا ولا أبا ثفال وهكذا تجئ عنه كثيرا الإشارة إلى أنه لم يثبت عنده ثم زال ثبوتها فإن النفي سابق على الإثبات
فجوابه:
أنه نقل كلام الخلال -وهو من أعرف الناس بالروايات عن الإمام أحمد، وممن جمع فقهه وعلمه-، حيث قال: " الذي استقرت عليه الروايات أنه لا بأس به -يعني: إذا ترك التسمية- "، وكلمة الخلال هذه تبين أن آخر الأمرين كان عدم وجوب التسمية، لا وجوبها، هذا إن صحت رواية الوجوب.
وهنا استفسار بخصوص رواية الوجوب: فهل وُقف لها على راوٍ عن الإمام أحمد مباشرة -كما وُقف على رواةٍ عددٍ لرواية تضعيف أحاديث الباب والإجزاء لناسي التسمية-؟
ثم إن الأحكام الفقهية لا يؤخذ منها أحكام حديثية، فقول الإمام أحمد بحكمٍ في المسألة لا يعني -بالضرورة- أنه يصحح الحديثَ الدالَّ على ذلك الحكم.
¥