تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أَوْصَافِهِ بِعَيْنِ التَّعْظِيمِ وَالِاتِّكَالِ عَلَيْهَا، وَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ دَعَاهُ إِلَى عَمَلٍ لِفَقْرِ يَوْمِ الْحِسَابِ، وَعَمَلُهُ صِفَتُهُ؛ فَإِنَّهُ دَعَاهُ إِلَيْهِ جِدَّاً وَاجْتِهَادَاً، فَقَدْ دَعَاهُ عَنْهُ اتِّكَالاً عَلَيْهِ، وَسُكُونًا إِلَيْهِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ فَقْرَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعِدَّ لِلْفَقْرِ تِجْفَافَاً»، وَالتِّجْفَافُ إِنَّمَا يَكُونُ لَرَدِّ الشَيْءِ، وَالْحَوْلِ بَيْنَهُ وَبَيْنَكَ، وَفَقْرُ الدُّنْيَا لِمَنْ أَحَبَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَائِزَةٌ مِنَ اللهِ وَعَطَاءٌ، وَعَطَاءُ اللهِ وَجَائِزَتُهُ لا تُرَدُّ، فَدَلَّ قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعِدَّ لِلْفَقْرِ تِجْفَافًا» أَيْ لِفَقْرِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لِيَصْرِفَهُ عَنْكَ، أَوْ يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ الْفَقْرَ الَّذِي هُوَ قِلَّةُ الْمَالِ، وَالضُّرُ، وَعَدَمُ الْمَرَافِقِ، وَهُوَ الْفَقْرُ الْمَعْرُوفُ، وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَأَعِدَّ لِلْفَقْرِ تِجْفَافَاً» أَيْ تِجْفَافًا تَصُونُهُ بِهِ، وَتَدْفَعُ عَنْهُ مَا يَقْدَحُ فِيهِ مِنَ الْجَذَعِ فِيهِ، وَالنَّكِرَةِ لَهُ، وَالتَّشَوُّقِ لِمُرَادَتِهِ، فَإِنَّ الْفَقْرَ جَائِزَةُ اللهِ لِمَنْ أَحَبَّنِي، وَخِلْعَتُهُ عَلَيْهِ، وَبِرُّهُ بِهِ، وَإِكْرَامُهُ لَهُ، وَتُحْفَتُهُ إِيَّاهُ، وَجَزِيلُ الثَّوَابِ مِنْهُ عَلَى جَلِيلِ قَدْرِ هَذِهِ الصِّفَةِ عِنْدَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْفَقْرَ زِيُّ أَنْبِيَائِهِ، وَحِلْيَةُ أَوْلِيَائِهِ، وَزِينَةُ الْمُؤْمِنِينَ، وَشِعَارُ الصَّالِحِينَ، فَكَأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَهُ: «إِنَّ هَذَا كَائِنٌ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ»، فَاسْتَعِدَّ لِقَبُولِهِ، وَالاسْتِقْبَالِ لَهُ، وَالاسْتِعْدَادِ لِدَفْعِ مَا يَقْدَحُ فِيهِ مِنَ الصَّبْرِ فِيهِ، وَالشُّكْرِ عَلَيْهِ، وَالصَّوْنِ لَهُ، وَالدَّفْعِ عَنْهُ تَعْظِيمًا لَهُ، وَإِجْلالاً لِقَدْرِهِ، فَكَأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ وَإِنْ ذَكَرَ الْفَقْرَ مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ الْمَكَارِهِ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ خُصُوصَ الْفَقْرِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الإِمْلاكِ، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ جَمِيعَ الْمَكَارِهِ وَأَنْوَاعَ الْمِحَنِ وَالْبَلايَا؛ لأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا أَحَبَّ اللهُ تَعَالَى عَبْدَاً صَبَّ عَلَيْهِ الْبَلاءَ صَبَّاً، وَسَحَّهُ عَلَيْهِ سَحَّاً»، وَمَنْ أَحَبَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبَّهُ اللهُ، فَالْمُرَادُ مِنَ الْفَقْرِ الْمَكَارِهُ وَالْبَلايَا مِنْ أَيِّ وَجْهٍ كَانَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ خُصُوصَ الْفَقْرِ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ مِنْ عَظِيمِ الْمَكَارِهِ، وَجَلِيلِ الْبَلايَا عَبَّرَ عَنِ الْبَلاءِ وَالْمَكْرُوهِ بِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأَجِلَّةَ مِنْهُمْ وَالْكِبَارَ لَمْ يَكُونُوا مَخْصُوصِينَ بِالْفَقْرِ، وَعَدَمِ الإِمْلاكِ، وَلَمْ يَكُونُوا مَجَانِبِينَ مِنَ الْبَلايَا الْعِظَامِ، وَالْمَكَارِهِ الشِّدَادِ.

قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَوْ نَزَلَ بِالْجِبَالِ الرَّاسِيَاتِ مَا نَزَلَ بِأَبِي لَهَا هَيَّضَهَا.

(69) حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: ثَنَا الْمَدَائِنِيُّ هُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوْحٍ قَالَ: ثَنَا ابْنُ شَبَابَةَ قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الْمَاجِشُونِيُّ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَبِي عَوْنٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا الْحَدِيثَ. وَقُتِلَ عُمَرُ، وَحُوصِرَ عُثْمَانُ أَرْبَعِينَ يَوْمَاً وَذُبِحَ، وَلَقِيَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَا لَقِيَ، وَكَأَنَّهُ كَانَ مَخْصُوصَاً بِالْبَلاءِ مُرَادَاً بِهِ أَكْثَرَ عُمْرِهِ، وَلَقِيَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا مَا لَقِيَتْ بِالْجَمَلِ، وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قُتِلا، وَتُوُفِّيَ أَبُو ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ وَحِيدَاً فَرِيدَاً، وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ أُضْنِيَ عَلَى سَرِيرٍ مَنْقُوبٍ ثَلاثِينَ سَنَةً، وَخَبَّابٌ مَرِضَ مَرَضَاً طَالَتْ مُدَّتُهُ فِيهَا، حَتَّى اكْتَوَى سَبْعَاً فِي بَطْنِهِ، وَكَذَلِكَ عَامَّةُ أَصْحَابِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقُوا مِنَ الْبَلايَا وَالشَّدَائِدِ أَنْوَاعَاً، وَهَؤُلاءِ هُمُ الْمَخْصُوصُونَ بِشِدَّةِ الْمَحَبَّةِ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يُبْتَلَوْا كُلُّهُمْ بِالْفَقْرِ خَاصَّةً، وَلَكِنْ بِأَنْوَاعِ الْبَلايَا، وَقَدْ صَرَّحَ بِذِكْرِ الْبَلايَا.

(70) وَحَدَّثَنَا بِهِ أَحْمَدُ بْنُ سَهْلٍ قَالَ: ثَنَا صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: ثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ: ثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ أَبُو مَعْشرٍ الْبَرَاءُ قَالَ: ثَنَا شَدَّادُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي الْوَازِعِ جَابِرِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ، قَالَ: «فَإِنْ كُنْتَ صَادِقَاً فَأَعِدَّ لِلْفَقْرِ تِجْفَافَاً، فَإِنَّ الْبَلاءَ أَسْرَعُ إِلَى مَنْ يُحِبُّنِي مِنَ السَّيْلِ إِلَى مُنْتَهَاهُ».

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير