سَمِعَ بِجُرْجَانَ مِنْ أَبِي أَحْمَدَ الْغِطْرِيفِيِّ، وَبِنَيْسَابُورَ مِنْ أَبِي الْحَسَنِ الْمَاسِرْجَسِيِّ، وَعَلَيْهِ دَرَسَ الْفِقْهَ. وَسَمِعَ أَيْضَاً غَيْرَهُ مِنْ شُيُوخِ نَيْسَابُورَ، وَقَدِمَ بَغْدَادَ، فَسَمِعَ مِنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ عَرَفَةَ، وَأَبِي الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَعَلِيِّ بْنِ عُمَرَ السُّكَّرِيِّ، وَالْمُعَافِى بْنِ زَكَرِيَّا الْجَرِيْرِيِّ. وَاسْتَوْطَنَ بَغْدَادَ، وَحَدَّثَ وَدَرَسَ وَأَفْتَى بِهَا، ثُمَّ وَلِىَ الْقَضَاءَ بَرَبْعِ الْكَرْخِ بَعْدَ مَوْتِ أَبِي عَبْدِ اللهِ الصَّيْمَرِيِّ، فَلَمْ يَزَلْ عَلَى الْقَضَاءِ إِلَى حِينِ وَفَاتِهِ.
اخْتَلَفْتُ إِلَيْهِ وَعَلَّقْتُ عَنْهُ الْفِقْهَ سِنِينَ عِدَّةً. وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: وُلِدْتُ بِآمُلٍ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَثَلاثِمِائَةٍ، وَخَرَجْتُ إِلَى جُرْجَانَ لِلقَاءِ أَبِي بَكْرٍ الإِسْمَاعِيْلِيِّ، وَالسَّمَاعِ مِنْهُ، فَوَصَلْتُ إلَى الْبَلَدِ يَوْمَ الْخَمِيْسِ، فَاشْتَغَلْتُ بِدُخُولِ الْحَمَّامِ، وَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ لَقِيتُ أَبَا سَعْدٍ بْنَ أَبِي بَكْرٍ الإِسْمَاعِيْلِيّ، فَأخْبَرَنِي أَنَّ أَبَاهُ قَدْ شَرِبَ دَوَاءً لِمَرضٍ كَانَ بِهِ، وَقَالَ لِي: تَجِيْءُ فِي صَبِيحَةِ غَدٍ لِتَسْمَعَ مِنْهُ، فَلَمَّا كَانَ بَكرَةُ يَوْمِ السَّبتِ، غَدَوتُ لِلْمَوْعِدِ، فَإِذَا النَّاسُ يَقُوْلُوْنَ: مَاتَ أَبُو بكْرٍ الإِسْمَاعِيْلِيُّ، فَنَظَرْتُ، وَإِذَا بِهِ قَدْ تُوفِّي فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ.َ
سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ مُحَمَّدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْقَاضِي يَقُولُ: ابْتَدَأَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ بِدَرْسِ الْفِقْهِ وَتَعَلُّمِ الْعِلْمِ وَلَهُ أَرْبَعَ عَشَرَةَ سَنَةً، فَلَمْ يَخْلُ بِهِ يَوْمَاً وَاحِدَاً إِلَى أَنْ مَاتَ.
سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْمُؤَدِّبَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ الْبَافِيَّ يَقُولُ: أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ أَفْقَهُ مِنْ أَبِي حَامِدٍ الإِسْفَرَائِينِيِّ.
وَسَمِعْتُ أَبَا حَامِدٍ الإِسْفَرَائِينِيَّ يَقُولُ: أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ أَفْقَهُ مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْبَافِيِّ.
وَكَانَ أبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ ثِقَةً، صَادِقَاً، دَيِّنَاً، وَرِعَاً، عَارِفَاً بِأُصُولِ الْفِقْهِ وَفُرُوعِهِ، مُحَقِّقَاً فِي عِلْمِهِ، سَلِيمَ الصَّدْرِ، حَسَنَ الْخُلُقِ، صَحِيحِ الْمَذْهَبِ، جَيِّدَ اللِّسَانِ، يَقُولُ الشِّعْرَ عَلَى طَرِيقَةِ الْفُقَهَاءِ.
وَمِنْ شِعْرِهِ مَا أَنْشَدَنِيهِ لِنَفْسِهِ:
مَا زِلْتُ أَطْلُبُ عِلْمَ الْفِقْهِ مُصْطَبِرَاً ... عَلَى الشَّدَائِدِ حَتَّى أَعْقَبَ الْجَبْرَا
فَكَانَ مَا كَدَّ مِنْ دَرْسٍ وَمِنْ سَهَرٍ ... فِي عِظَمِ مَا نُلْتُ مِنْ عُقْبَاهُ مُغْتَفَرَا
حَفِظْتُ مَأْثُورَهُ حِفْظَاً وَثِقْتُ بِهِ ... وَمَا يُقَاسُ عَلَى الْمَأْثُورِ مُعْتَبَرَا
صَنَّفْتُ فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْ مَسَائِلِهِ ... غَرَائِبَ الْكُتْبِ مَبْسُوطَاً وَمُخْتَصَرَا
أَقُولُ بِالأَثَرِ الْمَرْوِيِ مُتَبِّعَاً .... وَبِالْقِيَاسِ إِذَا لَمْ أَعْرِفِ الأَثَرَا
إِذَا انْتَضَيْتُ بَنَانِي عَنْ غَوَامِضِهِ ... حَسَرْتُ عَنْهَا قِنَاعَ اللَّبْسِ فَانْحَسَرَا
وَإِنْ تَحَرَيْتُ طُرُقَ الْحَقِّ مُجْتَهِدَاً ... وَصَلْتُ مِنْهَا إِلَى مَا أَعْجَزَ الْفِكَرَا
وَكُنْتُ ذَا ثَرْوَةٍ لَمَّا عُنِيتُ بِهِ ... فَلَمْ أَدَعْ ظَاهِرَاً مِنْهَا وَمُدَخَرَا
وَمَا أُبَالِي إِذَا مَا الْعِلءمُ صَاحَبَنِي ... ثُمَّ التُّقَى فِيهِ أَلا أَصْحَبَ الْيَسَرَا
ثَنَّتَ عَنَانِي عَنْهُ هِمَّةٌ طَمَحَتْ ... إِلَى الْهُدَى فَاسْتَطَابَتْ عِنْدَهُ الصَّبْرَا
إذَا أَضَقْتُ سَأَلْتُ اللهَ مُقْتَنِعَاً ... كِفَايَتِي فَأَطَابَ الْوِرْدَ وَالصَّدَرَا
¥