وإنَّ مما شجعني على ذلك: أنني لم أجد ذلك مجموعاً في كتاب، وإنْ كَتَبَ الكثيرُ في هذا الباب متفرقاً، ولكن يعيبهم - إلا ما رحم الله - توسعهم في الاستناد إلى ما قرره بعض العلماء من التسامح في الحكم على الآثار فأوقعهم في خلل كبير، واضطراب جسيم.
وأيضاً - وهو الأهم - جمع كلام سلفنا الصالح المبارك، فليس لكلامهم وفهمهم نظيرٌ في المتأخرين، وأعتقد موقناً أنهم أعلم وأحكم وأفهم لكلام الله والمراد منه، وأعلم وأحكم وأفهم لكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم والمراد منه، فتعين لزاماً تبيين صحيح كلامهم من سقيمه.
وإدراك هذه الغاية يلزم لتحقيقها سلوك أنجع الوسائل وهي: تمرير أسانيد هذه الآثار -كالمرفوعة- على قواعدَ أهل الحديث المعتبرة في القديم والحديث، من غير وَكْسٍ ولا شطط، وإمعان النظر فيها، وإعمال القرائن المحتفة، وغير ذلك مما هو مبسوط في كتب الأكابر الأماجد فرسان هذا الشأن، مع الاعتدال من غير تسامحٍ يؤول إلى التَّساهل، وتَعَنُّتٍ يؤول إلى التَّشدد.
أمَّا عن عملي في هذه السلسلة فينتظم تحت هذه البنود:
1 - أذكر خلاصة بحثي أولاً فأقول: صحيح أو حسن .. ثم أبرهن عن كيفية الوصول إلى هذه النتيجة.
2 - أحكم على الأسانيد بدراسة المقارنة لا بالاستقلال، ومع إعمال قواعدَ أهلِ الحديث باعتدالٍ.
3 - أقوم بتخريج الآثار من جميع الكتب المسندة التي تحت حوزتي، ومع كثرتها فقد لا يوجد الأثر إلا في كتاب منها أو كتابين، فإيَّاك والظَّن أنِّي قَصَّرت في التَّخريج، فلم آلُ جهداً، ومع ذلك فالتَّقصير واردٌ لأني بشر، وحسبي أجر المحاولة وشرف النِّضال.
4 - قد يكون الأثر مشهوراً بالرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع التحقيق يظهر صحة وقفه على الصحابي أو مَنْ هو دونه، فأُورده هنا.
5 - قد أتعرض لتفسير غريب الأثر نادراً.
6 - نويتُ ترتيبَ هذه الآثار على الأبواب، وشرعتُ .. لكن باءت مكللة بالفشل، إذ بعد عدة آثار متطابقة في الباب والمعنى يأتيني أثرٌ بمعنى الباب الذي قبله، فأرجأت ذلك الترتيب إلى آخر هذه السلسلة المباركة أتمها اللهُ عليَّ وعلى الأمة الإسلامية بخير.
7 - ولتسهيل تحقيق البند السابق عنونتُ لكل أثر، حتى يسهل جمعها تحت الأبواب بعدُ.
8 - أعرضت عن ذكر تراجم رجال الإسناد، ولا أترجم لراو إلا لفائدة.
9 - لما كنت أتعامل في البحث مع الأثر تحت مجهر القواعد الحديثية، ولا أدري بما تؤول إليه النتيجة - صحة أو ضعفاً - كان لزاماً أن تنشطر السلسلة إلى سلسلتين (صحيحة وضعيفة).
10 - ولما كان كلام سلفنا فيه من البركة والحكمة والأنوار، ما تشد إليه الرحال، وتهوي إليه أفئدة الكبار والصغار؛ أسميتها: (نُزُلُ الأبرار في السلسلة الصحيحة والضعيفة من الآثار).
تلك عشرة كاملة .. فما كان فيما صنعت من توفيق وسداد فمن الله وحده لا شريك له وهو المستعان، وإن كانت الأخرى، كزللٍ أو خطإٍ أو نسيانٍ فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه بريئان.
وها أنا الساعةَ في جوف الليل الآخر، أمدُّ يديَّ، مطأطأً رأسي، متذللاً لمولاي، داعياً: رب ارزقني الإخلاص في القول والعمل، واجنبني الرِّياء وكل زلل، وألبسني وسائر عملي من القبول أوسع الحُلل، وحقق لي كل مأمول دقيق أو جَلل، وارزق هذه السلسلة من القبول والنفع ما رزقت به سلاسل الإمام المجدد - رحمه الله - وزيادة، ثم أقصر عني أيدي الحاقدين، وأبعد عني لفحات قلوبهم المشتعلة، أو أطفئها ببرد عفوك، وحوِّلها إلى محبتي فيك وتأيدي، واحفظني بحفظك الذي لا يضام، واكلأني بعينك التي لا تنام، ثم اغفر وارحم، وتجاوز عمَّا تعلم، إنَّك بكل جميل كفيل، وأنت حسبي ونعم الوكيل.
وصلِّ اللهم وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمدٍ وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
وكتب:
أبو العباس بلال بن عبد الغني بن أبي هلال السالمي الأثري
غفر الله له ولوالديه
عنيزة - القصيم
1425هـ
ثم قلَّبتُ فيها النَّظر في عدة مجالس آخرها قرب عصر يوم الاثنين
5/ 1/1429هـ
في هجرة الذيبية
حفر الباطن
السعودية
ولله الحمد
والمنة
بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر وأعن يا كريم
الإِخْلَاصُ وَالبُعْدُ عَنِ الرِّيَاءِ:
1 - قال الزبير بن العوام رضي الله عنه: (من استطاع منكم أن يكون له خبيئةمن عمل صالح فليفعل).
(صحيح)
¥