تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وربما يحمل كلام الأوزاعى على علمه بحال الزهرى لا بأحاديثه، فإن أعلم الناس بحديث الزهرى: مالك بن أنس، وابن عيينة، ومعمر، ليس قرَّة ولا غيره. قال أبو حاتم بن حبان ((الثقات)) (7/ 342): ((سمعت عمر بن حفص البزار بجنديسابور يقول سمعت إسحاق بن ضيف يقول سمعت أبا مسهر يقول سمعت يزيد بن السمط يقول: أعلم الناس بالزهرى قرة بن عبد الرحمن بن حيوئيل. قال أبو حاتم: هذا الذي قاله يزيد بن السمط ليس بشيء يحكم به على الإطلاق، وكيف يكون قرة بن عبد الرحمن أعلم الناس بالزهرى، وكل شيء روى عنه لا يكون ستين حديثا، بل أتقن الناس في الزهرى: مالك، ومعمر، والزبيدى، ويونس، وعقيل، وابن عيينة، هؤلاء الستة أهل الحفظ والإتقان والضبط والمذاكرة، وبهم يعتبر حديث الزهرى، إذا خالف بعض أصحاب الزهرى بعضا في شيء يرويه)).

قلت: وهذا الذى ذكره أبو حاتم هو الغاية فى الإجادة والإفادة، ولكن لا يسقط به الاحتجاج بأحاديث قرَّة عن الزهرى، سيما إذا توبع ولم يتفرد.

ومما يقتضيه النظر الممعن فيما حُكى من الاختلاف على جرح أو توثيق قرَّة بن عبد الرحمن، ألا يطرح حديثُه بمرَّة، بل يُحتج بما وافق فيه الثقات، كنحو صنيع الإمام مسلم فى احتجاجه بحديثه عن عامر بن يحيى المعافرى عن حنشٍ الصنعانى عن فضالة بن عبيد أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلا يَأْخُذَنَّ إِلا مِثْلاً بِمِثْلٍ)).

وسبيل هذا الإيضاح كما فى الحديث التالى:

فقد أخرج الدارمى (1958) قال: حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي ثنا ابن وهب عن قرَّة بن عبد الرحمن عن الزهري عن عروة عن أسماء بنت أبي بكر: أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا أُتِيَتْ بِثَرِيدٍ أَمَرَتْ بِهِ، فَغُطِّيَ حَتَّى يَذْهَبَ فَوْرَةُ دُخَانِهِ، وَتَقُولُ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((هُوَ أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ)).

وأخرجه كذلك ابن أبى الدنيا ((الجوع))، وابن أبى عاصم ((الآحاد والمثانى)) (5/ 453/3140)، وابن حبان وصححه، والطبرانى ((الكبير)) (24/ 84/226)، والحاكم (4/ 118)، والبيهقى ((الكبرى)) (7/ 280) و ((شعب الإيمان)) (5/ 93/5909) من طرق عن عبد الله بن وهبٍ به بنحوه.

وقال أبو عبد الله الحاكم: ((هذا حديث صحيح على شرط مسلم في الشواهد، ولم يخرجاه)).

قلت: هو كما قال، وذلك أنه لم يتفرد به عن الزهرى، فقد تابعه: عقيل بن خالد الأيلى.

أخرجه أحمد (6/ 350) قال: حدثنا حسن ثنا ابن لهيعة ثنا عقيل بن خالد عن ابن شهاب عن أسماء بنت أبي بكر: أنها كانت إذا ثردت غطته شيئا، حَتَّى يَذْهَبَ فَوْرُهُ، ثم تقول إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((إنَّه أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ)).

حدثنا قتيبة بن سعيد ثنا ابن لهيعة عن عقيل ح وحدثنا عتَّاب ثنا عبد الله ـ يعنى ابن المبارك ـ أنبأنا ابن لهيعة حدثني عقيل بن خالد عن ابن شهاب عن عروة عن أسماء بنت أبي بكر: أنها كانت إذا ثردت غطته فذكر مثله.

قلت: وهذا من صحاح أحاديث ابن لهيعة، فإنه من رواية عبد الله بن المبارك، وهو من قدماء أصحابه الذين رووا عنه قبل اختلاطه، وعتَّاب هو ابن زياد الخراسانى أبو عمرو المروزى. قال ابن أبى حاتم ((الجرح والتعديل)) (7/ 13/58): ((عتاب بن زياد المروزي. سمع ابن المبارك، وأبا حمزة السكري. كتب عنه أبى بالري، وروى عنه. وسئل أبى عنه، فقال: ثقة)). وذكره ابن حبان فى ((الثقات)) (8/ 522).

ومن شواهد الحديث الصحيحة: حديث أبى هريرة موقوفاً.

أخرجه البيهقى ((الكبرى)) (7/ 280) قال: أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي نا أبو العباس محمد بن يعقوب نا بحر بن نصر نا ابن وهب حدثني الليث عن جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة أنه كان يقول: لا يُؤْكَلُ طَعَامٌ حتَّى يذهبَ بُخَارُهُ.

قلت: وهذا إسناد صحيح غاية، رجاله ثقات كلهم، المزكى فما فوقه، وهو على رسم البخارى من راويه عبد الله بن وهبٍ إلى أبى هريرة. وقد روى نحوه عن أبى هريرة مرفوعاً بإسناد ليس بالقائم.

فقد أخرجه الطبرانى ((الصغير)) (934)، ومن طريقه ابن عساكر ((تاريخ دمشق)) (10/ 522) من طريق عبد الله بن يزيد البكري ثنا يعقوب بن محمد بن طحلاء المديني ثنا بلال بن أبي هريرة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بصفحة تفور، فرفع يده منها، فقال: ((اللهم لا تطعمنا نارا)).

وقال أبو القاسم: ((لم يروه عن بلال بن أبي هريرة إلا يعقوب بن محمد، ولا عنه إلا عبد الله بن يزيد. وبلال قليل الرواية عن أبيه)).

قال ابن أبى حاتم ((الجرح والتعديل)) (5/ 201/940): ((عبد الله بن يزيد البكري. روى عن: عكرمة بن عمار، وشعيب بن أبى حمزة، وسليمان بن راشد البصري. روى عنه: هشام بن عمار. سألت أبى عنه، فقال: ضعيف الحديث ذاهب الحديث)).

والخلاصة، فحديث قرَّة ((هُوَ أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ)) صحيح فى المتابعات، وأمثل شواهده حديث أبى هريرة موقوفاً.

ولأحاديث قرَّة بقية إن شاء الله تعالى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير