وقد سمع منه جماعة منهم ابنه بشر فكان من أشد تلامذته اعتناء بسماع كتب أبيه فقد قال شعيب بن أبي حمزة قبل وفاته: هذه كتبي قد صححتها فمن أراد أن يأخذها فليأخذها، و من أراد أن يعرض فليعرض، و من أرد أن يسمعها من ابني فليسمعها، فإنه قد سمعها منى.
فبما أن شعيب بن أبي حمزة كان يحدث من كتبه فأين هذا الحديث لماذا لم يروه عنه غير علي بن عياش، فهل ذهل عنه تلامذته؟ وما بال ابنه بشر لم يروه عن أبيه؟
إذا يمكن أن يكون شعيب بن أبي حمزة حديث به من حفظه فوهم باختصاره، فسمعه منه علي بن عياش فرواه كما سمعه فاشتهر بروايته بهذا اللفظ. ولذا قال أبو حاتم الرازي: وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ حَدَّثَ مِنْ حِفْظِهِ فَوَهِمَ فِيهِ. [33] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=40#_ftn33)
فأشار أبو حاتم لاحتمال أن يكون الوهم باختصار الحديث وروايته بمعنى وقع بسبب تحديث شعيب من حفظه لا من كتابه، وإلا لرواه عنه تلامذته ولا سيم ابنه بشر.
ويحتمل أن يكون الوهم باختصار الحديث من محمد بن المنكدر فقد تابع المنكدر بن محمد شعيب بن أبي حمزة في هذه الرواية فقال: كان آخر الأمر من رسول الله r ترك الوضوء مما غيرت النار. [34] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=40#_ftn34)
إلا أن المنكدر بن محمد متكلم في حفظه، حتى عد ممن غلب عليه الخطأ، وكان لا يحفظ حديث أبيه فقد قال فيه أبو حاتم: كان رجلا صالحا لا يفهم الحديث، و كان كثير الخطأ، لم يكن بالحافظ لحديث أبيه. [35] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=40#_ftn35)
ولكن كيف اهتدى أبو حاتم وغيره من النقاد إلى أن هذا الحديث مختصر من حديث آخر؟ وأن الوهم دخل في هذا الحديث بسبب الرواية بالمعنى الذي فهمه الراوي من الحديث مع كونه ليس مراد.
هنا سلك النقاد طريقاً آخر للكشف عن علة الحديث، فعمدوا إلى أبواب الوضوء فنظروا في أسانيدها ومتونها، فوقعوا على حديث يرويه محمد بن المنكدر عن جابر t أن النبي r أكل من شاة ثم توضأ وصلى، ثم رجع فأكل منها ولم يتوضأ. يرويه عنه جماعة من الثقات من أصحاب محمد بن المنكدر لا يختلفون عليه فيه بل إن عبد الله محمد بن عقيل رواه عن جابر كما رواه الجماعة بينما يتفرد شعيب بن أبي حمزة فيروي عن ابن المنكدر ما يشعر بأنه مختصر من حديث الشاة.
فقوي ما ظنه النقاد من اعتلال هذا الحديث بعد أن اهتدوا إليه بتفرد راويه ومخالفة غيره له فحكموا بأنه مختصر وهم فيه راويه.
ومن المعلوم أن الاختصار والرواية بالمعنى ليست بعلة على الإطلاق بل إن غيرت المعنى أو أفهمت غير المعنى المراد، وهذا الرواية قد غيرت معنى الحديث وحملته على معنى غير فأوهمت أن النبي r ترك في آخر الأمر الوضوء من كل ما مسته النار.
والرواية المطولة لا تدل على ذلك فإن النبي r لم يتوضأ بعد أن أكل طعاماً، أو لحم شاة كما في بعض الروايات، وليس في ذلك دليل على أنه ترك الوضوء من كل ما مسته النار.
ثم إن وضوء النبي r في المرة الأولى بعد أن أكل لا يجزم فيه بكونه توضأ بسبب أكل ما مسته النار فقد قال ابن حجر: فيحتمل أن تكون هذه القصة وقعت قبل الأمر بالوضوء مما مست النار وأن وضوءه لصلاة الظهر كان عن حدث لا بسبب الأكل من الشاة. [36] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=40#_ftn36)
وقال ابن القيم: وَمِنْ الْعَجَب مُعَارَضَة هَذِهِ الأَحَادِيث بِحَدِيثِ جَابِرٍ: " كَانَ آخِر الأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُول اللَّه r تَرْك الْوُضُوء مِمَّا مَسَّتْ النَّار " وَلا تَعَارُض بَيْنهمَا أَصْلا فَإِنَّ حَدِيث جَابِرٍ هَذَا إِنَّمَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ كَوْنه مَمْسُوسًا بِالنَّارِ لَيْسَ جِهَة مِنْ جِهَات نَقْضِ الْوُضُوء، وَمَنْ نَازَعَكُمْ فِي هَذَا؟ نَعَمْ هَذَا يَصْلُح أَنْ يَحْتَجُّوا بِهِ عَلَى مَنْ يُوجِب الْوُضُوء مِمَّا مَسَّتْ النَّار، عَلَى صُعُوبَة تَقْرِير دَلالَته، وَأَمَّا مَنْ يَجْعَل كَوْن اللَّحْم لَحْم إِبِل هُوَ الْمُوجِب لِلْوُضُوءِ، سَوَاء مَسَّتْهُ النَّار أَمْ لَمْ تَمَسّهُ فَيُوجِب الْوُضُوء مِنْ نِيئِهِ وَمَطْبُوخه وَقَدِيده، فَكَيْف يُحْتَجّ عَلَيْهِ بِهَذَا الْحَدِيث؟
¥