تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وبالمناسبة هنا أقول: ان الإمام مسلما رحمه الله تعالى قد روى هذا الحديث وصرح الرواة كلهم فيه بالتحديث حيث قال: حدثني عباس ابن عبد العظيم العنبري احمد بن جعفر المعقري قالا: حدثنا النضر "وهو ابن محمد اليمامي " حدثنا عكرمة حدثنا أبو زميل، حدثني ابن عباس قال: كان المسلمون لا ينظرون الى أبي سفيان .. " الحديث (1).

وهذا بخلاف ما زعمه ابن القيم – غفر الله له- من قوله "فإن مسلما رواه

عن عباس بن عبد العظيم عن النضر بن محمد عن عكرمة ابن عمار عن أبي زميل عن ابن عباس هكذا معنعنا .. ". وهذا في غاية البعد، وكيف يحكم على ابن القيم في هذه الدعوى المخالفة للواقع، الا أن يقال ان ابن القيم لم ينقل هذا السند من صحيح مسلم مباشرة وانما نقله من مصدر آخر عنه، وكان ذلك المصدر قد نقله – اختصارا- بالعنعنة، فظن أنه كذلك في الصحيح، وليس هو بالصحيح، وعلى أي فابن القيم مؤاخذ في هذا الاتهام والادعاء، والله يغفر لنا وله، وان كان ابن القيم قد اختلف حكمه تجاه هذا الحديث، فهو في "جلاء الإفهام " يحكم بالوهم، بينما في؟ زاد المعاد" يحاول الإجابة عن هذا الاعتراض، ويؤول الحديث بما يتناسب مع مكانة الصحيح. كما سأذكر ذلك ان شاء الله تعالى.

وقد أجاب العلماء والمحدثون على هذا الحديث، وردوا على ابن حزم دعواه الوضع أو الوهم، وبينوا صحة هذا الحديث. وسوف أذكر بعض تلك الأقوال، ثم الخص وجهة نظري – حسب ما يفتح الله تعالى – مرجحا صحة الحديث والاستدلال على ذلك مع رد الشبه التي تطرح، بجواب شاف واضح مقنع ان شاء الله تعالى.

(1) صحيح مسلم: كتاب فضائل الصحابه – باب من فضائل أبي سفيان صخر بن حرب رضي الله عنه رقم (2501)

قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في شرحه لهذا الحديث (1): واعلم ان هذا الحديث من الأحاديث المشهوره بالأشكال، ووجه الإشكال ان ابا سفيان إنما اسلم يوم فتح مكة- سنة ثمان من الهجرة- وهذا مشهور، لا خلاف فيه.

وكان النبي صلى الله عيه وسلم قد تزوج أم حبيبه قبل ذلك بزمان طويل. قال ابو عبيدة وخليفة بن خباط وابن البرقي والجمهور: تزوجها سنة ست، وقيل سنه سبع.

وقال القاضي عياض: واختلفوا أين تزوجها، فقيل: بالمدينة بعد قدومها من الحبشة، وقال الجمهور بأرض الحبشة، قال: واختلفوا فيمن عقد له عليها هناك. فقيل: عثمان، وقيل: وخالد بن سعيد بن العاص باذنها، وقيل: النجاشي لانه كان أمير الموضع وسلطانه.

قال القاضي: والذي في مسلم هنا أنه زوجها ابو سفيان غريب جدا وخبرها مع أبي سفيان حين ورد المدينة في حال كفره مشهور.

قال النووي رحمه الله تعالى: ولم يزد القاضي على هذا. وقال ابن حزم: هذا الحديث وهم من بعض الرواة، لانه لا خلاف بين الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم حبيبة قبل الفتح بدهر، وهي بأرض الحبشة، وأبوها كافر.

وفي رواية عن ابن حزم أيضا: انه قال / موضوع، قال: والآفة فيه من عكرمة بن عمار الراوي عن أبي زميل

قال الإمام النووي رحمه الله: وأنكر الشيخ أبوعمرو بن الصلاح رحمه الله هذا على ابن حزم، وبالغ في الشناعة عليه، قال: وهذا القول من جسارته، فانه كان هجوما على تخطئة الأئمة الكبار، واطلاق اللسان فيهم، قال: ولا نعلم أحدا من أئمة الحديث نسب عكرمة بن عمار إلى وضع الحديث، وقد وثقه

(1) شرح صحيح مسلم للنووي (63:16 - 64)

وكيع ويحيى بن معين، وغيرهما. وكان مستجاب الدعوة.

قال: وما توهمه ابن حزم من منافاة هذا الحديث لتقدم زواجها غلط منه وغفله، لانه يحتمل انه سأل تجديد عقد النكاح تطيبا لقلبه، لانه كان ربما يرى عليها غضاضه من رياسته ونسبه أن تزوج بنته بغير رضاه، أو أنه ظن أن إسلام الأب في مثل هذا يقتضى تجديد العقد.

وقد خفي أوضح من هذا على أكبر مرتبه من أبي سفيان ممن كثر علمه، وطالت صحبته، هذا كلام أبي عمرو رحمه الله.

وليس في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم جدد العقد، ولا قال لابي سفيان أنه يحتاج الى تجديده، فلعله صلى الله عليه وسلم أراد بقوله "نعم" أن مقصودك يحصل، وأن لم يكن بحقيقة عقد. والله أعلم. أ هـ.

هذا وقد أكثر الناس الكلام في هذا الحديث، وتعددت طرقهم في توجيهه، حسب نزعاتهم واتجاهاتهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير