تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أخرج عبد الرزاق في مصنفه [7]: قال أخبرنا ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله r قال: «أيما امرأة نكحت على صداق أو حباء أو عدة قبل عصمة النكاح فهو لها».

و هذا حديث إسناده صحيح. و أمثلة هذه الأحاديث كثيرة مما ثبت فيها تحديث شعيب عن جده عبد الله، و أشهرها ما أخرجه الحاكم والدارقطني والبيهقي في إفساد الحجج، و إسناده صحيح. و قد أثبت الحاكم به صحة سماع شعيب من جده [8]. و أما محمد فلم يثبت له أي حديث يحدّث به. فثبت يقيناً أن الجد هو عبد الله دوماً. قال المِزِّي: «ولم يذكر أحد منهم (أي علماء الحديث) أنه يروي عن أبيه محمد. ولم يذكر أحد لمحمد بن عبد الله –والد شعيب هذا– ترجمة، إلا القليل من المصنفين. فدل ذلك على أن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده صحيح متصل إذا صح الإسناد إليه. وأن من ادعى فيه خلاف ذلك، فدعواه مردودة حتى يأتي عليها بدليل صحيح يعارض ما ذكرناه» [9].

2– إن في حديثه عن أبيه عن جده مناكير.

لكن أبا زُرعة أجاب عن ذلك بقوله: «إنما أنكروا عليه لكثرة روايته عن أبيه عن جده. و قالوا إنما سمع أحاديث يسيرة و أخذ صحيفة كانت عنده فرواها. و ما أقلّ ما تصيب عنه مما روى أبيه من المنكر! و عامة هذه المناكير التي تروى عنه، إنما هي عن المثنى و ابن لهيعة و الضُّعفاء. و هو ثقة في نفسه». فثبت أنه إذا صحّ السند إليه، لم يكن في حديثه مناكير.

2– أنه كان ينقل من صحيفة فروايته وِجَادَة بلا سَماع [10].

قلت هذا كلامٌ ليس عليه دليل. فقد أثبت المحقّقون سماعه من أبيه، و سماع أبيه شعيب من جدّه عبد الله، بل و التحديث ثابت في عددٍ من الأحاديث. قال أحمد بن عبد الله: «عمرو بن شعيب ثقة. روى عنه الذين نظروا في الرجال، مثل أيوب و الزٌّهْري و الحكم، و احتجّ أصحابنا بحديثه، و سمع أبوه من عبد الله بن عَمْرو و ابن عمر و ابن عباس».

و قال أبو بكر بن زياد النَّيْسابوري: «صحّ سماع عمرو بن شعيب، و صحّ سماع شعيب من جده عبد الله». و قال الدارقطني: «لِعَمْروِ بن شعيب ثلاثة أجداد: الأدنى منهم محمد، و الأوسط عبد الله، و الأعلى عمرو. وقد سمع شعيب من الأدنى محمد، و محمد تابعي. و سمع جده عبد الله. فإذابينه وكشف فهو صحيح حينئذ. قال: و لم يترك حديثه أحدٌ من الأئمة، و لم يسمع من جده عمرو بن العاص».

و قد وَلِد شعيب بن محمد في خلافة علي أو قبل ذلك (أي قبل عام 40هـ). قال الذهبي: «ما علمنا بشعيب بأساً: رَبِيَ يتيماً في حجر جده عبد الله، وسمع منه، وسافر معه. ولعله ولد في خلافة علي أو قبل ذلك». و قد مات عبد الله بن عمرو بن العاص عام 63هـ (و هو الراجح) أو 65هـ أو 69هـ، و عمره 72 سنة. فيكون من ذلك أن شعيباً قد صحبه حوالي ثلاثين سنة.

و لو تأملنا هذه النقطة و قارنّاها بشدّة حفظ عبد الله t بالصحيفة الصادقة، و تقديره الشديد لأهميتها، كما مرّ في أول المقال. و كذلك ما علمنا من علم حفيده شعيب و صحّة روايته عن عدد من الصحابة، فهذا كلّه يؤكد أن من البديهي أن يسعى عبد الله لتحفيظ إبنه تلك الصحيفة و تحديثه بها. و من المستبعد أن يحدّث الناس من تلك الصحيفة و يفخر بها، و لا يحدث بها حفيده الذي قارب الثلاثين من عمره، مع حفظٍ و نباهة. و قد صرّح في بعض أحاديثه بالسماع في بعض الأحاديث كما قد سلف. و لم يثبت عنه أي حديث منكر إذا صحّ النقل إليه. فالذي نخلص إليه أنه جدّه قد حدّثه بالصحيفة الصادقة، و حديثه صحيح متصل.

توثيق العلماء لعمرو بن شعيب و أبيه:

أما عمرو بن شعيب نفسه، فالأئمة متفقين على حفظه و على توثيقه. قال الأوزاعي: «ما أدركت قُرَشيّاً أكمل من عمرو بن شعيب». و قال علي بن المَديْني (شيخ البخاري، ومتشدد في الجرح): «سمع شعيب من عبد الله بن عمرو وسمع منه ابنه عمرو بن شعيب». و قال كذلك: «عمرو بن شعيب عندنا ثقة، و كتابه صحيح». وقال إسحاق بن راهوية (شيخ البخاري): «إذا كان الراوي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ثقة، فهو كأيوب عن نافع عن ابن عمر». يشبه هذا بسلسلة الذهب، و هذا مطلق التوثيق.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير