(3993) قال يحيى بن معين: قال يحيى بن سعيد: إذا كان عندي عن سعيد بن أبي عروبة لم أُبالِ ألا أسمعه من هشام، وإذا كان عندي عن هشام لم أُبالِ ألَّا أسمعه من شعبة، فإن كان عندي عن شعبة لم أبالِ ألَّا أسمعه منهما.
وقال أبو محمد بن أبي حاتم (9/ 240):
أنا أبو بكر بن أبي خيثمة فيما كتب إلى، قال: سمعت يحيى بن معين يقول: قال شعبة: هشام الدستوائي أعلم بحديث قتادة منى وأكثر له مجالسة منى.
قال: وسمعت يحيى بن معين يقول: كان يحيى بن سعيد إذا سمع الحديث من هشام الدستوائي لا يبالي أن لا يسمعه من غيره. (وراجع التاريخ الكبير لأبي بكر بن أبي خيثمة ص 600 ط دار غراس)
وقال أبو القاسم البغوي في الجعديات:
1051 - حدثنا أحمد بن زهير، قال: سمعت يحيى بن معين يقول: أثبت الناس في قتادة: سعيد بن أبي عروبة، وهشامٌ الدستوائي، وشعبة. ومن حَدَّثَ من هؤلاء بحديث، فلا تبال ألا تسمعه من غيره.
........ ونفى أن معنى أن هشام أصح كتابا عن قتادة أنه ينتقي ما سمعه قتادة مما لم يسمعه
قال ابن هانئ: قلتُ له (يعني أحمد بن حنبل): فحسينٌ المعلم، وحرب بن شداد، وشيبان. قال: هؤلاء ثقات. قلت له: فهشامٌ: قال: ليس أحدٌ أصحُّ حديثا ولا أحبَّ إليَّ من هشام. (بحر الدم 203، بتحقيق د/ وصي الله بن محمد عباس)
وقال أبو بكر الأثرم (الجرح والتعديل 9/ 240): قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: هشامٌ الدستوائي أكثر من شيبان؟ قال: أجل. هشامٌ أرفع.
ثم من أعلم بهشام الدستوائي: طارق بن عوض الله أم شعبة؟
قال أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم، في كتاب تقدمة المعرفة، في باب ما ذُكِرَ من علمِ شُعبة بناقلة الأخبار وكلامه فيهم على حروف المعجم:
قال: نا أبي، نا مقاتل بن محمد، قال: سمعتُ أبا داود قال: قال شعبة: إذا حدثكم هشامٌ الدستوائيُّ بشيءٍ فاختموا عليه.
(لا جرم أن ما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة وأن مردنا إلى الله، وأن المسرفين هم أصحاب النار (43) فستذكرون ما أقول لكم، وأفوض أمري إلى الله، إن الله بصير بالعباد (44) غافر)
ـ[محمد بن عبدالله]ــــــــ[01 - 03 - 08, 09:11 م]ـ
أخي أبا مريم غفر الله لك!
ما هكذا الأسلوب العلمي المدقق!
فأولاً: الشيخ طارق له قدره وفضله وتقدمه في هذا العلم، ومخاطبته هكذا بأسلوبك لا يليق -حتى لو كنت قرينًا له؛ فلستُ أدري عمرك-، وأشنع ذلك قولك: (ثم من أعلم بهشام الدستوائي: طارق بن عوض الله أم شعبة؟)!
ثم: يظهر جدًّا لكل ناظر استدلالك بعمومات وإطلاقات وأقوال لا تقوم أمام ما سيق من أقوالٍ خاصة لإثبات الانقطاع في هذا الحديث بعينه.
ومناقشة كلامك الطويل مفصًّلاً يطول جدًّا، وكثير منه عجيبٌ صدوره من مثلك -وفقك الله-، لكني سأضع بعض رؤوس الأقلام، وأرجو أن تمعن النظر، وتدقق وتحرر، فما ظننتُك إلا متحريًّا مدققًا.
فعدم تضعيف المتقدمين والمتأخرين للحديث لا يفيد في كونه صحيحًا.
ونعم؛ لم ينقل الحافظُ كلمةَ البخاري بنصِّها، وإنما من حفظه بفهمه لها، ولا يعجبني تجاوز فهم مثل هذا الإمام -خاصة في كتابه النكت- بمثل لمزه بعدم الدقة في النقل!
وأول دليلٍ سقته على قولك: (الجزم بأن قتادة لم يسمع من عبد الله بن بريدة بعيد جدا) هو قولك -بعد ذكر القصة-: (فهذه القصة التي ذكر ابن خزيمة أن مسلم بن الحجاج قد كتبها عنه، تدل على قدوم عبد الله بن بريدة البصرة، وأنه حدث بها، فكيف يفوت قتادةَ حافظَ البصرةِ أن يسمع منه؟)،
والاستدلال بهذه القصة على ما ذكرتَ= بعيد جدًّا، فليس فيها سوى احتمال أن قتادة سمع، وما يثبت أن قتادة كان في البصرة؟ ولو اتفقا هناك؛ فأين ما يثبت أنه سمع؟ المراد: إثبات السماع، لا إثبات احتمال السماع، ويبقى الحكم بعدم السماع قائمًا.
وأما الاستدلال بقول عمرو بن علي: (ما حدثنا يحيى عن قتادة بشيء مرسل)، فأولاً: تمام النص: (إلا حديثًا واحدًا)، وليس: (ولا حديث واحد)، كما تراه في نقل المزي في تهذيب الكمال،
ثم إن صحَّ فهم كلمة (مرسل) في هذا السياق بأنها بمعنى المنقطع؛ فانظر إلى سعة هذا النفي وعمومه وإطلاقه في سائر مرويات قتادة المتكاثرة، وانظر إلى خصوص كلمة البخاري في رواية قتادة عن عبد الله بن بريدة، فأيهما المقدم؟ ولمَ لا يكون خفي على الفلاس هذا الانقطاع؟
والاستدلال بهذه العمومات فيه شوبٌ من التمسك بأي شيء لإثبات ما يذهب إليه الذاهب، وانظر إلى الاستدلال بعموم قول أبي داود في سننه، وبسكوت النسائي وأبي حاتم الرازي عنه.
وأما قولك: (فما يُدري طارقا أن هذا الحديث سمعه شعبة من قتادة أصلا؟ وأنه ليس مما فاته سماعه؟ لا سيما وأنه ليس لقتادة عن عبد الله بن بريدة إلا حديثان أو ثلاثة؟؟)؛ فإذا أثبتَّ أن شعبة رواه؛ سلمنا لك حينئذٍ، بل هاتِ أيَّ حديث لقتادة عن ابن بريدة (من هذين الحديثين أو الثلاثة) رواه شعبة عن قتادة! ومثل هذه الروايات العزيزة يحرص شعبة أن يأخذها من قتادة ثم يرويها عنه غاية الحرص، لكن يقف أمامه شرطُهُ في الرواية عن قتادة.
وتفضيل هشام على شعبة، وتفضيل شعبةَ هشامًا على نفسه= ليس بمفيد، لأننا لا نتكلم في رواية هشام عن قتادة، ولا نطعن فيها، لكننا نقف عندما وقف عنده الأئمة، ولا نثبت لهشام شيئًا ليس لنا فيه سلف، ولم نقف على من وصف هشامًا به، أعني: أنه لا يروي عن قتادة إلا ما سمع.
وأما الاستدلال بقول شعبة: (كنا نعرف الذي لم يسمع قتادة مما سمع، إذا قال: قال فلان، وقال فلان، عرفنا أنه لم يسمعه)، وأن الضمير عائد إلى أصحاب قتادة وفيهم هشام؛ فلا فائدة فيه، لأن شعبة إذا عرف أن هذا الحديث لم يسمعه قتادة -بالطريقة التي شرحها-؛ لم يروه عنه، وأما هشام؛ فأين هذا عنه؟ نعم؛ بعضهم يفضِّل هشامًا على شعبة في الحفظ والضبط عن قتادة، لكن: أين النصُّ على أنه لا يروي عن قتادة إلا ما سمع من شيوخه؟
ولماذا يتوارد الأئمة على نقل كلمة شعبة، ويتلقونها بالقبول، ويذكرون ذلك في ميزة شعبة وشدة تحريه، دون أن يكون شيءٌ من ذلك لهشام؟ أَلاَ إنه لو كان لهشامٍ مثلُ هذا لصاحَ به كما صاح شعبة، ولصيح به كما صيح بما كان لشعبة.
نفع الله بك، وآسف على أسلوبي إن كان فيه ما يسوء.
¥