ب – ما اختلف في تكفير أصحابها: كالقائلين بخلق القرآن، والنافين لرؤية الله تعالى يوم القيامة.
2 – البدعة المفسقة:
وهي التي لا تخرج صاحبها عن دائرة الإيمان: مثل بدع الخوارج، والروافض الذين لا يغلون ذاك الغلو، وغير هؤلاء من الطوائف المخالفين لأصول السنة خلافاً ظاهراً لكنه مستند إلى تأويل ظاهره سائغ.
مناقشة التقسيم السابق:
هذا التقسيم – الذي ذكره العلماء للبدع – يترتب عليه إشكال كبير وذلك أننا اشترطنا في حد العدالة " السلامة من أسباب الفسق " ثم مثلوا للبدع المفسقة ببدع الخوارج وغيرها من الفرق المخالفين لأصول السنة، ومقتضى ذلك الحكم عليهم بالفسق ورد رواياتهم، والصواب – فيما أرى- أن هذا التقسيم نظري فحسب وذلك أن الحكم بالكفر أو الفسق أو البدعة، إنما يكون بعد إقامة الحجة، وإزالة الشبهة، فمن وقع في شيء من البدع فلا نجرؤ على تبديعه أو تفسيقه أو تكفيره، فإذا كان متأولاً أو جاهلاً، فهو معذور بجهله أو تأويله، لكن من بلغته الحجة، وكشفت له الشبهة، فأصرّ على قوله المخالف لأصول السنة، فهو معاند، ولا شك في فسق هذا النوع، لأنه مخالف لأوامر الله وأحكامه، والفسق هو الخروج عن (ص 101) طاعة الله، ولا فرق في ذلك بين العمليات والأخبار، وإلى هذا المعنى أشار الإمام مسلم في " مقدمة صحيحه " فقال – رحمه الله -: " أعلم أن الواجب على كل أحد عرف التمييز بين صحيح الروايات وسقيمها، وثقات الناقلين لها أن لا يروي إلا ما عرف صحة مخارجه، والستارة في ناقليه، وأن يتقي منها ما كان عن أهل التهم والمعاندين من أهل البدع " (). والإمام مسلم – صحيحه – ملآن بأحاديث المبتدعة ممن تصنف بدعهم في البدع المفسقة، وليس هناك تناقض بين قوله وفعله، إذا تأملنا القيد السابق، لأن هؤلاء المبتدعة كانت بجعهم عن تأويل وشبهة لا بعناد.
مذاهب العلماء في الرواية عن أهل البدع والأهواء:
اختلف العلماء من أئمة الحديث ونقاده في حكم الرواية عن أهل البدع والأهواء، اختلافاً كثيراً وخاصة عند المتأخرين منهم. وقد تباينت أنظارهم تبايناً واضحاً، فمنهم من ذهب إلى رد رواية المبتدع رداً كاملاً ولم يقبلها سواء أكان هؤلاء من الغالين أم من غير الغالين، من الدعاة أ غيرهم، ومنهم من قبلها حتى من الغالين، والدعاة منهم، وسأذكر تفصيل ذلك حسب نوعي البدعة.
أما بالنسبة للمبتدعة الذين بدعتهم مكفرة. فللعلماء في رواياتهم ثلاثة مذاهب:
الأول: القبول مطلقاً وإن كانوا كفاراً أو فساقاً بالتأويل، إليه ذهب جماعة من أهل النقل والمتكلمين ().
الثاني: يقبل خبرهم إذا كانوا يعتقدون حرمة الكذب، وقد ذهب إليه جماعة من الأصوليين، كأبي الحسن البصري المعتزلي () وفخر الدين (ص 102) الرازي ()، والبيضاوي ().
الثالث: الرد مطلقاً، وقد حكى النووي الاتفاق على أن المكفرين ببدعهم لا يحتج بهم ولا تقبل روايتهم () وما سبق ينقض قوله.
وقد حقق الحافظ رحمه الله هذه المسألة وأتى فيها بقول فصل موافق لما عليه أئمة الحديث ونقاده فقال – رحمه الله -: " والتحقيق أنه لا يرد كل مكفر ببدعته، لأن كل طائفة تدعي أن مخالفيها مبتدعة، وقد تبالغ فتكفر مخالفيها، فلو أخذ على الإطلاق لاستلزم تكفير جميع الطوائف. فالمعتمد: أن الذي ترد روايته: من أنكر أمراً متواتراً من الشرع معلوماً من الدين بالضرورة، وكذا من اعتقد عكسه، فأما من لم يكن بهذه الصفة وانضم إلى ذلك ضبطه لما يرويه مع ورعه وتقواه، فلا مانع من قبوله " ().
وأما بالنسبة للمبتدعة الذين لم يكفروا ببدعتهم. فللعلماء في رواياتهم خمسة مذاهب:
الأول: الرد مطلقاً: وممن ذهب إليه مالك بن أنس، وابن غُيينة، والحميدي، ويونس بن أبي إسحاق، وعلي بن حرب، وقد وجه الحافظ ابن رجب هذا المذهب بقوله: " والمانعون من الرواية، لهم مأخذان: أحدهما تكفير أهل الأهواء وتفسيقهم، وفيه خلاف مشهور. والثاني: الإهانة لهم، والهجران، والعقوبة بترك الرواية عنهم، وإن لم نحكم بكفرهم أو فسقهم. ولهذا مأخذ ثالث: وهو أن الهوى والبدعة لا يؤمن معه الكذب ولا سيما إذا كانت الرواية مما تعضد هوى الراوي " (). (ص 103)
¥