تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

- وقال زائدة: (أقبلت على حمار ومعي ردف من بني عبد المطلب ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي في أرض خلاء، فنزلنا، ثم جئنا حتى دخلنا في الصلاة، وتركنا الحمار قدامهم، فما بالى ذلك).

والروايتان بينهما اختلاف، كما فهم الإمام الطبراني، فرواية شعبة فيها النصُّ على أن المرور كان بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأما رواية منصور، فليس فيها ذلك، وإنما فيها أنهم تركوا الحمار بين أيديهم، وأقرب المذكورين (الناس) الذين كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي بهم.

وذكر ضمير الجماعة بعد ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- في إمامته في الصلاة= يشير إلى أن المقصود به: المأمومون، دون الإمام، وهذا ما تفيده الروايات الأخرى للحادثة نفسها -كما سيأتي-.

وقد بيَّن عليُّ بن الجعد أن شعبة كان يشك في لفظه، قال -كما في الجعديات (159) -: (أخبرنا شعبة، عن الحكم، عن يحيى بن الجزار، عن صهيب -رجل من أهل البصرة-، عن ابن عباس ... قال: وجئت أنا وغلام من بني هاشم على حمار -أحسبه قال: فمررنا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي-، فنزلنا، فدخلنا معه في الصلاة، ولم يقطع صلاته).

وشعبة قد روى الحديث أيضًا عن عمرو بن مرة عن يحيى الجزار -الرواية التي فيها إسقاط صهيب-، ولفظ تلك الرواية: (فمررنا بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم-)، فربما حمل شعبة لفظ الحكم على لفظ عمرو بن مرة.

وهذا يقوي جانب رواية منصور،

لكن في رواية منصور عن مشايخه الصغار -ومنهم الحكم- كلام، كما ذكر الإمام أحمد.

وصهيب أبو الصهباء من أهل البصرة -كما نُصَّ عليه في كثير من روايات هذا الحديث-، وقد قال النسائي: (أبو الصهباء صهيب، ضعيف، بصري)، ونقل المزي عن أبي زرعة قوله: (مدني ثقة)، وقال العجلي: (صهيب مولى ابن عباس، مكي تابعي ثقة).

وكلمة النسائي ألصقها بالبصري راوي حديثنا هذا، فإن أبا زرعة يذكر صهيبًا مدنيًّا، والعجليَّ يذكره مكيًّا.

فالرجل متكلَّم فيه.

وللترجيح في روايته، يُنظر في الرواية الثابتة -بلا خلاف- عن ابن عباس، وهي ما أخرجه مالك في الموطأ، عن ابن شهاب الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن عبد الله بن عباس أنه قال: (أقبلت راكبًا على أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي للناس بمنى، فمررت بين يدي بعض الصف، فنزلت، فأرسلت الأتان ترتع، ودخلت في الصف، فلم ينكر ذلك عليَّ أحد).

هذه رواية يحيى النيسابوري عن مالك: (فمررت بين يدي بعض الصف)، ومثلها رواية عبد الله بن يوسف التنيسي، وعبد الله بن مسلمة القعنبي، وإسماعيل بن أبي أويس، ومطرف بن عبد الله، ونحوها ليحيى بن قزعة، وقال ابن مهدي: ( ... وأنا على حمار، فتركته بين يدي الصف).

وكذلك رواه يونس وابن عيينة عن الزهري، وقال معمر: (فقطعنا الصف، ونزلنا عنهم، ثم وصلنا الصف، والأتان تمر بين أيديهم لم تقطع صلاتهم).

وقال ابن أخي الزهري، عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس: (أقبلت وقد ناهزت الحلم أسير على أتان لي ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائم يصلي بمنى، حتى سرت بين يدي بعض الصف الأول، ثم نزلت عنها ... )، وابن أخي الزهري مضعَّف، وليس كالأئمة الذين رووا الحديث عن الزهري باللفظ الأول، فذكر الصفّ الأول فيه نظر، ولم يسقه البخاري في أبواب الصلاة، بل في باب حج الصبيان.

ولفظ حديث عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس ظاهرٌ في أن الأتان مرت بين يدي (الصف)، والصف يطلق على المصلين المأمومين، وليس فيه ما يدل على أن الأتان مرَّت من أمام النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا ما فهمه البخاري، حيث بوب على هذا الحديث بقوله: (باب سترة الإمام سترة من خلفه).

وأما ما جاء في بعض الروايات عن سفيان عن الزهري بسنده من قوله: (وتركناها ترتع، فلم يقل لنا النبي -صلى الله عليه وسلم- شيئًا)، فسياقه يدل على أن عدم إنكار النبي -صلى الله عليه وسلم- متوجّه إلى كونهم مروا أمام الصف، ولذا فقد رواه عثمان بن أبي شيبة عن سفيان بلفظ: (فمررت بين يدي بعض الصف، فنزلت، فأرسلت الأتان ترتع، ودخلت في الصف، فلم ينكر ذلك أحد)، وتبيِّنه كذلك الروايات الأخرى عن الزهري، التي فيها أن المراد: عدم الإنكار على مرور الأتان بين يدي الصف، وأن سترة الإمام سترة لمن خلفه.

ورواية عبيد الله قاضية على رواية صهيب أبي الصهباء -إن صحَّ أنه يذكر أن الحمار مرَّ بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم-، فإن عبيد الله ثقة ثبت فقيه، من بحور العلم، وسبق ما في صهيب من كلام.

والله أعلم.

ـ[محمد بن عبدالله]ــــــــ[24 - 02 - 08, 02:12 م]ـ

قال ابن رجب -بعد أن ذكر حديث يحيى بن الجزار في فتح الباري (4/ 10) -: (وذكر الإمام أحمد هذا الحديث، واستدل به على أن الصلاة إلى غير سترة صحيحة، وقال: " ليس هو بذاك "، يعني: من جهة إسناده، ولعله رأى أن صهيبًا هذا غير معروف، وليس هو بأبي الصهباء البكري مولى ابن عباس؛ فإن ذاك مدني).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير