ثم سائر الأحاديث بعد، كقوله ((من قرأ سورة كذا أعطي ثواب كذا))، فموضوعة على رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد اعترف بوضعها واضعها، وقال: قصدت أن أشغل الناس بالقرآن عن غيره، وقال بعض جهلاء الوضاعين في هذا النوع: نحن نكذب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نكذب عليه. ولم يعلم هذا الجاهل أنه من قال عليه ما لم يقل فقد كذب عليه، واستحق الوعيد الشديد)) أهـ.
وقوله ((واعترف بوضعها واضعها)) يعنى: نوح بن أبي مريم المروزي أبو عصمة القرشي قاضي مرو، ويعرف بنوح الجامع، وإنما سمي الجامع لأنه أخذ الفقه عن أبي حنيفة وابن أبي ليلى، والحديث عن حجاج بن أرطأة وطبقته، والمغازي عن ابن إسحاق، والتفسير عن الضحاك ومقاتل، وكان مع ذلك كله يكذب ويضع الحديث. قال أبو حاتم بن حبان: كان يقلب الأسانيد، ويروي عن الثقات ما ليس من أحاديث الإثبات، لا يجوز الاحتجاج به بحال. وقال أيضاً: نوح الجامع جمع كل شيء إلا الصدق. وذكر الحاكم أبو عبد الله أنه الذي وضع حديث فضائل القرآن ((من قرأ سورة كذا أعطي ثواب كذا)).
وإنما استثنيت السجدة، وتبارك الذي بيده الملك لصحَّة ما ورد من بعض فضائلهما.
فأما الم تنزيل السجدة، فقد صحَّ في فضل قراءتها فجر الجمعة
قال أبو عبد الله البخاري في ((كتاب الجمعة)): حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ثنا سُفْيَانُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ الأَعْرَجُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْجُمُعَةِ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ: الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةَ، وَهَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ.
وقال أبو الحسين مسلم ((كتاب الجمعة)) (1454): حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُخَوَّلِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ: الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ، وَهَلْ أَتَى عَلَى الإنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ.
وقال (1455): حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ثنا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الم تَنْزِيلُ، وَهَلْ أَتَى.
وقال (1456): حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ ثنا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِـ الم تَنْزِيلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى، وَفِي الثَّانِيَةِ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا.
وأما تبارك الذى بيده الملك، فمما ورد في فضلها.
قال الترمذى (2891): حدثنا محمد بن بشار ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن قتادة عن عباس الجشمي عن أبي هريرة عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِنَّ سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ ثَلاثُونَ آيَةً شَفَعَتْ لِرَجُلٍ، حَتَّى غُفِرَ لَهُ، وَهِيَ سُورَةُ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ)).
وأخرجه كذلك أحمد (2/ 321،299)، وإسحاق بن راهويه (122)، وأبو داود (1400)، والنسائي ((الكبرى)) (6/ 496/11612) و ((اليوم والليلة)) (710)، وابن ماجه (3786)، وابن نصر المروزي ((قيام الليل)) (113)، وابن حبان (788،787)، والحاكم (1/ 753)، والبيهقي ((شعب الإيمان)) (2/ 493/2506)، وابن عبد البر ((التمهيد)) (7/ 262)، وابن الجوزي ((التحقيق في أحاديث الخلاف)) (449) من طرق عن شعبة به نحوه.
وقال أبو عيسى: ((هذا حديث حسن)).
قلتُ: هو كما قال، فإنه يروى من غير وجه نحو هذا الحديث، عن أنس، وعبد الله بن مسعود. ورجال هذا الإسناد ثقات كلهم رجال الصحيحين، خلا عباسٍ الجشمى، وقد وثق.
ذكره ابن حبان في ((الثقات)) (5/ 259) وقال: ((عباس بن عبد الله الجشمي. يروى عن: عثمان بن عفان وأبي هريرة. روى عنه: الجريري وقتادة)).
ويشهد لحديثه، ما أخرجه الطبراني ((الصغير)) (490) و ((الأوسط)) (3654) قال: حدثنا سليمان بن داود بن يحيى الطبيب البصري ثنا شيبان بن فروخ ثنا سلام بن مسكين عن ثابت عن أنس قال قال رسولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ مَا هِى إلا ثَلاثُونَ آيَةً، خاصمت عن صاحبها، حتى أدخلته الجنة، وَهِيَ سُورَةُ تَبَارَكَ))
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات كلهم على رسم مسلم، خلا سليمان بن داود بن يحيى البصري، وهو صدوق صالح.وأما تفصيل ما أجمله الحافظ ابن القيم، فيحتاج إلى إطالة وإسهاب.
¥