[أولاً] لا ينبغي أن يؤخذ من تأويل هذا المصطلح توهين الإمام الثبت المتقن المأمون أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعى الكوفي شيخ الإسلام. وإليك ما قاله الحافظ الذهبي رداً على قول عثمان بن أبى شيبة عنه: ((ثقة وليس بحجة)):
قال الحافظ ((ميزان الاعتدال)) (8/ 34): ((اليربوعي أوثق من عثمان. قال فيه أحمد بن حنبل: شيخ الإسلام. وقال أبو حاتم: كان ثقة متقناً. وقال النسائي: ثقة. وقال ابن سعد والعجلي: ثقة صدوق صاحب سنة. وقال الخليلي: ثقة متفق عليه. وقال ابن قانع: ثقة مأمون. وذكره ابن حبان في الثقات)) أهـ.
قلت: وقد احتفى البخاري ومسلم باليربوعي، وهو في الطبقة الوسطى من شيوخهما، فأخرج له البخاري في ((صحيحه)) سبعين حديثاً، وأخرج له مسلم في ((صحيحه)) أربعة وخمسين حديثاً. وهو في الكوفيين كمسدد بن مسرهد في البصريين، إلا أن مسدداً أكثر منه حديثاً، ولذا أخرج له البخاري: ثلاثمائة واثنين وتسعين حديثاً، فهو رأس المكثرين من شيوخ البخاري. وأما اليربوعي فكان ممن يقيم اللفظ ولا يروى بالمعنى، وقد جهدت أن أجد لليربوعي وهماُ أو خطأً، فلم أقف عليه.
[ثانياً] تأويل قولهم فلان حجَّة. قد بان لي من معاني الحجَّة عندهم.
(1) الذي ثبتت إمامته، وذاعت شهرته، وعرف فضله. وهذا معنىً واسع، ولكنه غير شائع الاستعمال، وربما يستعمله بعض المتساهلين من أئمة التعديل والتزكية، كابن سعد. وهو واقع بكثرة فى تراجم المتأخرين كالحافظ الذهبي في كتابيه ((سير الأعلام)) و ((تذكرة الحفاظ)). قال ابن سعد: كان الحسن البصري جامعا عالما رفيعا ثقة حجة مأمونا عابدا ناسكا كثير العلم فصيحا جميلا. وقال:كان أيوب السختيانى ثقة ثبتا في الحديث جامعا كثير العلم حجة عدلا. وقال الذهبي: القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق الإمام القدوة الحافظ الحجة عالم وقته بالمدينة. وقال: عبد الرحمن بن أبي نعم الإمام الحجة القدوة الرباني أبو الحكم البجلي الكوفي. وهذا أكثر من أن يحصى.
(2) الحافظ الضابط المتقن. وهذا أشيع معانيه، وربما اقتصر عليه الأكثر. سئل يحيى بن معين عن محمد بن إسحاق بن يسار المطلبى فقال: ثقة وليس بحجة. وأصل ذلك أنه سئل عنه وعن موسى بن عبيدة الربذي: أيهما أحب إليك؟، فقال هذا القول، وإنما ذهب إلى أن ابن إسحاق أمثل وأوثق من موسى بن عبيدة الربذي، وإن لم يكن ضابطاً متقناً كمالك وعبيد الله بن عمر في المدنيين
(3) الذي يُرجع إليه عند الاختلاف ويؤخذ بقوله، فهو كالقائم مقام الدليل والبرهان، أو الذي تدفع به الخصومة. قال أبو زرعة الدمشقي قلت ليحيى بن معين وذكرت له الحجة، فقلت له: محمد بن إسحاق منهم؟، فقال: كان ثقة، إنما الحجة عبيد الله بن عمر ومالك بن أنس وذكر قوما آخرين. وهذا من ألطف المعاني وأخفاها، وإنما يستعمله المتشددون أمثال: عبد الرحمن بن مهدى، ويحيى بن سعيدٍ القطان، وابن معين، وأبى حاتم الرازي. وعليه يتنزل قول عثمان بن أبى شيبة، ومن طالع أحكامه على الرجال حكم من غير تردد أنه في عدادهم، وإن وثق بعض الضعفاء
(4) أن الحجة بالمعنى السابق، ولكن مقروناً براوٍ ما أكثر الثقة ملازمته والأخذ عنه، فكان الأضبط والأوثق والأحفظ لحديثه دون سائر أصحابه. وذلك شبيهٌ بقولهم:
• الثوري حجة في الأعمش على سائر أصحابه.
• مالك حجة في الزهري على سائر أصحابه.
• ابن عيينة حجة في عمرو بن دينار على سائر أصحابه.
• حماد بن سلمة حجة في ثابت البناني على سائر أصحابه.
• شعبة حجة في قتادة على سائر أصحابه.
• إسرائيل حجة في أبى إسحاق على سائر أصحابه.
• الأوزاعي حجة في يحيى بن أبى كثير على سائر أصحابه.
قال أبو حاتم الرازي: حماد بن سلمة في ثابتٍ وعلي بن زيد أحبّ إليَّ من همام، وهو
أضبط الناس وأعلمهم بحديثهما، بيَّن خطأ الناس في حديثهما. وقال يحيى بن معين:
من خالف حماد بن سلمة في ثابتٍ فالقول قول حماد، وحماد أعلم الناس بثابتٍ.
ونزيدك إيضاحاً وبياناً، لهذا المعنى، بذكر هذا المثال:
¥