[تعقيب فضيلة الشيخ الدكتور الشريف حاتم على النقاش حول قول البخاري (فيه نظر)]
ـ[ابن معين]ــــــــ[03 - 04 - 02, 06:56 م]ـ
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده، وبعد:
فيطيب لي أن أتحف رواد المنتدى الكرام بتعقيب فضيلة الشيخ المحدث الشريف حاتم العوني حول مقالي (إعادة النظر فيمن قال البخاري: (فيه نظر)، وقد تباحثت مع فضيلة الشيخ حاتم حول هذه المسألة التي سبق لي أن نقلت كلامه فيها سابقاً، وقد اطلع فضيلة الشيخ على المقالة وعلى تعقيبات الإخوة فأحب مشاركتنا بهذا التعقيب.
فنسأل الله أن يكتب له المثوبة والأجر، وأن ينفع به في كل مكان وزمان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فقد اطلعت على بعض الحوار المثمر الذي دار حول قول البخاري: (فيه نظر)، ولي حول هذا الموضوع وقفات:
الوقفة الأولى: أن الرأي الذي كنت قد ذكرته في كتابي المرسل الخفي (1/ 440_442) حول فَهْم عبارة البخاري تلك: لم يكن فهماً مرتجلاً مبنياً على مثالين أو ثلاثة.
وكيف لمن تحمَّل شيئاً من أمانة العلم، ولمن عرف أن هذا العلم دين فلا يجوز التجرؤ على مسائله بغير تثبت = أن يصل إلى هذا الحد من الاستخفاف بالعلم؟!
فلقد بنيت ذلك الرأي على عدة أمور:
الأول: دلالة اللفظ اللغوية، البعيدة كل البعد عن إرادة الضعف الشديد.
وسيأتي بيان دلالتها، وعلاقتها بالمعنى الاصطلاحي.
الثاني: أن الأصل في اللفظ الاصطلاحي بين العلماء أن يكون له دلالة متحدة بينهم، إلا إذا جاء الدليل الصحيح الصارف له عن ذلك.
الثالث: أن الترمذي قد فَهِم كلام البخاري بما لا يبتعد به عن دلالته اللغوية، وبما يوافق المعنى الاصطلاحي العام له.
وإذا فهم الترمذي كلام البخاري بما تأيد بما سبق، والترمذي هو الإمام في الحديث والجرح والتعديل، فهو بذلك أعرف الناس (مع أقرانه) بمعاني ألفاظ الجرح والتعديل. فكيف إذا كان الأمر متعلقاً بعبارة جرح أو تعديل لأحد شيوخ الترمذي؟! وكيف إذا كان هذا الشيخ ممن لازمهم الترمذي وأكثر من الاستفادة منهم؟! وكيف إذا كان هذا الشيخ هو البخاري الذي كان الترمذي لا يكاد يصدر إلا عن رأيه واجتهاده، ولايكاد يساويه في العناية بأقواله واجتهاداته أحدٌ من تلامذته؟!!
الرابع: وقد فهم إمامٌ آخر كلام البخاري بغير فهم بعض المتأخرين، وكنت قد ذكرته أيضاً في (المرسل الخفي)، وهو ابن عدي. ولابن عدي عناية كبرى بالبخاري وكتبه، وتتلمذ على جمع من الرواة عن البخاري. ثم هو ذلك الإمام الفحل، صاحب (الكامل) الذي وافق اسمه حقيقته.
الخامس: ثم وافق هذا كله استقراء ودراسة لأحد المتخصصين، وهو الدكتور مسفر الدميني.
والاستقراء هو الحَكَمُ في مثل هذه المسائل!
ومع أني لم أكن اطلعت على هذا الاستقراء، ولم أطلع عليه إلى الآن، إلا أن الباحث الذي قام به (وهو الدكتور مسفر الدميني) قد ذكر نتيجة استقرائه في كتاب آخر له، اطلعت عليه وعرفت منه تلك النتيجة. وهذا كله مما ذكرته بكل وضوح في (المرسل الخفي).
ولا أظن أن من شروط قبول نتيجة الاستقراء أن أطلع عليه بنفسي، وإلا فلن نقبل كلّ دعاوى الاستقراء، حتى لو ادّعاها كبار العلماء: كالذهبي وابن حجر وغيرهما، لأننا لم نطلع على استقرائهم.
السادس: أنني كنت قد لاحظت من خلال البحوث والممارسة أن عبارة البخاري (فيه نظر) لا يطلقها للدلالة على الضعف الشديد غالباً، وهذه الممارسة ليست استقراءً تاماً، ولا هي مثالين أو ثلاثة، غير أنها استقراء ناقص يفيد غلبة الظن.
فكيف إذا انضمّ هذا الاستقراء الناقص إلى ما سبق كله؟!!
فهل من العدل والإنصاف أن نصوِّر هذا كله بأنه مثالٌ أو مثالان؟!! وهل من الأدب أن يوصف من اجتهد هذا الاجتهاد بذلك الاستخفاف؟!!!
عزائي في ذلك كله أننا في زمن الغُربة، حتى بين طلبة العلم!!!
فلقد كان الأولى بمن لديه إشكال أو اعتراض يلوح في ذهنه أن يسأل صاحب ذلك الجهد، سؤال المستفيد، ليرى هل عنده جوابٌ عن إشكاله أو لا. أما أن يبادر بالاعتراض والنقض بذلك الأسلوب، فهذا فيه ما فيه مما سبقت الإشارة إليه.
¥