ـ[خليل بن محمد]ــــــــ[10 - 03 - 02, 10:30 م]ـ
في كَنَفِ الأئمةِ:
ولما كان العلماء الحفاظ هم أعلم الناس بالروايات، واختلافاتها، وأحفظ الناس لها، وأعرف الناس بما يعتريها من العلل الظاهرة والخفية، وأضبط الناس للقواعد والأصول التي على أساسها تتميز الأحاديث، وأفقه الناس في تطبيقها وتنزيلها على الروايات والأسانيد ـ كان من الضروري ـ والضروري جدّاً ـ الرجوع إلى كتب علل الأحاديث المتخصّصة، والبحث عن أقوال أهل العلم على الأحاديث؛ فإن بالوقوف على كلمةٍ أو حرفٍ ينسب إلى إمام من أئمة علل الأحاديث، تُحَلّ مسائل معلقة، وتُفتح أبواب مغلقة.
وآفة الآفات، ومنشأ الخلل الحاصل من قِبَلِ بعض الباحثين، هو ممارسة تحقيق الأحاديث، والحكم على الأسانيد والمتون، استقلالاً من دون الرجوع إلى أئمة العلم لمعرفة كيفية ممارساتهم العملية.
فكما أن القواعد النظرية في هذا العلم تؤخذ من أهله المتخصصين فيه، فكذلك ينبغي أن يؤخذ الجانب العملي منهم؛ لا أن تؤخذ منهم ـ فقط ـ القواعد النظرية، ثم يتم إعمالها عمليّاً من غير معرفة بطَرَائِقِهم في إعمالها وتطبيقها.
فإن أهل مكة أعلم بشِعَابها، وأهل الدار أدرى بما فيه، وإن أفضل من يطبق القاعدة هو مَنْ وضعها وحرّرَها، ونظم شَرائِطَها، وحدّ حدودها.
وليس هذا جُنُوحاً إلى تقليدهم، ولا دعوة إلى تقديس أقوالهم، ولا غَلْقاً لباب الاجتهاد، ولا قتلاً للقدرات والمَلَكَات؛ بل هي دعوة إلى أخذ العلم من أهله، ومعرفته من أَرْبَابه، ودخوله من بابه، وتحمّلِه على وجهه.
وما رجوع أهل العلم ونقاده، بعضهم إلى بعض، وسؤال بعضهم بعضاً عن الأحاديث والروايات ـ كما صنع الإمام مسلم؛ لمّا صنف كتابه: (الصحيح) عَرَضَه على علماء عصره؛ ليقولوا كلمتهم فيه ـ مع ما حَبَاهُ الله ـ عز وجل ـ من سَعَةِ في الحفظ، ودقة في النقد، وصحة في النظر، وقوة في البحث، وصدق في الرأي، وما كان هذا إلا مَظْهَراً من مظاهر معرفة أقدار العلماء، واحترام اختصاصاتهم.
وما تجريح أئمة الحديث للمُصِرّ على الخطأ، وهو مَن بينوا له خطأه فيما يرويه، فلم يرجع عن خطئه، ولم يبالِ بنقد النقاد، وأقام على روايته له آنفاً من الرجوع عنه (4) إلا رسالة تهديد شديدة اللّهْجَة لكل من تُسَوّل له نفسه أن يضرب بنقد النقاد عُرْضَ الحائط، ولا ينزّله منزلته اللائقة به.
ـ[خليل بن محمد]ــــــــ[10 - 03 - 02, 10:33 م]ـ
الأصول والاصطلاحات:
وحيث بان لنا أهمية الرجوع إلى أئمة الحديث للتفقّهِ بفقههم، والتفهّمِ بفهمهم، كان من الضروري معرفة أصول الأئمة ومناهجهم واصطلاحاتهم.
فإن مذاهب النقاد للأحاديث غامضة دقيقة؛ فربما أَعلّ بعضهم حديثاً استنكره، بعلة غير قادحة في الأصل، ولكنهم يرونها كافية للقدح في ذاك المنكر؛ وحجتهم في هذا: أن عدم القدح بتلك العلة مطلقاً، إنما بني على أن دخول الخلل من جهتها نادر، فإذا اتفق أن يكون المتن منكراً يغلب على ظن الناقد بطلانه، فقد يحقق وجود الخلل، وإذ لم يوجد سبب له إلا تلك العلة؛ فالظاهر أنها هي السبب، وأن هذا من ذاك النادر الذي يجيء الخلل فيه من جهتها.
وبهذا يتبين: أن ما يقع ممن دونهم من التعقب بأن تلك العلة غير قادحة، وأنهم قد صححوا ما لا يُحصى من الأحاديث مع وجودها فيها، إنما هو غفلة عما تقدم من الفرق، اللهم إلا أن يثبت المتعقب أن الخبر غير منكر (5).
وربما يطلقون بعض الاصطلاحات على غير معناها المتقرر والمتعارف عليه؛ كمصطلح (الحسن)، فإن بعض أهل العلم يستعمله في موضع (الغريب) أو (المنكر) على عكس معناه المتقرر، والذي يقتضي ثبوت الحديث.
وقد قال إبراهيم بن يزيد النخعي: (كانوا يكرهون إذا اجتمعوا أن يُخرج الرجل أحسن حديثه، أو أحسن ما عنده).
قال الحافظ الخطيب البغدادي شارحاً له (6): (عَنَى إبراهيم بالأحسن: الغريبَ؛ لأن الغريب غير المألوف يُسْتَحْسَن أكثر من المشهور المعروف، وأصحاب الحديث يعبرون عن المناكير بهذه العبارة).
ـ[خليل بن محمد]ــــــــ[10 - 03 - 02, 10:36 م]ـ
شرائط الكتب:
إن أئمة الحديث ـ عليهم رحمة الله تعالى ـ لم يصنفوا هذه الكتب الحديثية جُزَافاً، بل كل مصنّفٍ لهم لمصنّفه فيه شرط التزمه، وغاية نشدها؛ فكان إخراج الحديث في مصنف ما، على وجه ما، كالإشارة من مصنّفه إلى حال هذا الحديث عنده.
¥