وهذا الخلاف في عطاف يوجب التوقف، وليحيى فيه قولان، وهو عندي إلى قوله: "إنه ليس به" بأس أقرب وقد وافقه على ذلك أحمد بن حنبل ولأحاديث عن نافع ولا أعلم أتى بها غيره ... " ().
ويؤيد قوله رواية الدارمي عن ابن معين قوله: "ثقة" ().
وأحيانا يرجح تعديل ابن معين على تجريحه لبعض الرواة إذا كان موافقاً لتوثيق بعض النقاد الآخرين أو أحدهم، فمثلاً:
4 - قال في عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري () الذي نقل فيه ابن شاهين قول ابن معين: "ضعيف الحديث" ().
وقال فيه في رواية ابن أبي خيثمة "ليس به بأس" (). وهذا الخلاف يرجع فيه إلى قول أحمد بن حنبل: "قال فيه: صالح ثقة إن شاء الله" ()؛ لأن يحيى بن معين قال فيه قولين أحدهما موافق لقول أحمد، فالرجوع إلى قول أحمد ويحيى في أحد قوليه أولى من الرجوع إلى قول يحيى وحده في قول قد قال غيره
- والله أعلم - ومع ذلك فقد روى عنه رجلان جليلان أحدهما: هشيم والآخر أبو عوانة.
وانظر: كذلك قوله في عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن الغطفاني () إذ عدله أحمد، ووافقه ابن معين في أحد قوليه حيث قال فيه: "ثقة"، وقال: "ليس بشيء" ().
وكذلك قوله في الفضل بن العلاء أبو العباس، أبو العلاء الكوفي نزيل البصرة () حيث وافق أحد قوليه وهو: "لا بأس به" قول علي بن المديني الذي وثقه ().
5 - وقال في النعمان بن راشد الجزري أبو إسحاق الرَّقي () بعد ذكره قولي يحيى بن معين فيه: "ثقة" و "ليس بشيء" () وقال أيضاً: "مضطرب الحديث ليس بشيء" وفي رواية ابن الجنيد عن ابن معين: "ضعيف الحديث. قلت: ضعيف فيما روى عن الزهري وحده؟ قال: في الزهري وغيره هو ضعيف الحديث" (): "وهذا الكلام من يحيى بن معين في النعمان بن راشد مختلف، فإن وافقه على أحد قوليه واحد كان القول قوله في أحدهما، وإلا فهو موقوف عن الصحيح؛ لأن الجرح أولى من التعديل" ().
وكذا قوله في النهاس بن قهم القيسي أبو الخطاب البصري -ضعيف () - حيث قال بعد أن نقل قولي ابن معين: "ليس هو بشيء" و "وليس به بأس" (). واستدل ابن معين بقول محمد بن أبي عدي: "لا يساوي النهاس بن قهم شيئاً".
قال ابن شاهين: "وهذا الكلام من يحيى في النهاس قد أعانه في أحد قوليه محمد بن أبي عدي، وهو أقدم من يحيى بن معين، فإذا كان معه في أحد قوليه غيره كان القول قوله في الذي أعانه عليه والله أعلم" ().
2 - أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي القرطبي الحافظ (ت474ه):
بيَّن الحافظ أبو الوليد الباجي مقصد الأئمة النقاد في ألفاظهم - ومنهم يحيى ابن معين - فقال في (باب الجرح والتعديل): "واعلم أنه قد يقول المُعَدِّل: فلان ثقة، ولا يريد به أنه ممن يحتج بحديثه، ويقول: فلان لا بأس به، ويريد أنه يحتج بحديثه، وإنما ذلك حسب ما هو فيه ووجه السؤال له، فقد يُسأل عن الرجل الفاضل في دينه المتوسط حديثه، فيقرن بالضعفاء، فيقال: ما تقول في فلان وفلان؟ فيقول: فلان ثقة، يريد أنه ليس من نمط من قرن به، وأنه ثقة بالإضافة إلى غيره.
وقد يُسأل عنه على غير هذا الوجه، فيقول: لا بأس به. فإذا قيل: أهو ثقة؟ قال: الثقة غير هذا .... وضرب مثالاً على ذلك بقول عبد الرحمن بن مهدي وقد سئل عن أبي خلدة - خالد بن دينار صدوق من الخامسة - أكان ثقة؟ فقال: كان خياراً، وكان مسلماً، وكان صدوقاً، الثقة شعبة وسفيان. وإنما أراد عبد الرحمن التناهي في الإمامة .... ولم يُرد أن يُبلغه مبلغ غيره ممن هو أتقن منه وأحفظ وأثبت، وذهب إلى أن يُبيّن أن درجته دون ذلك، ولذلك قال: كان خياراً، كان صدوقاً، وهذا معنى الثقة، إذا جمع الصدق والخير مع الإسلام" (). ثم ضرب بعض الأمثلة الأخرى على ذلك منها: "وقد روى عباس بن محمد الدوري عن ابن معين أنه قال: محمد بن إسحاق ثقة وليس بحجة، وأصل ذلك أنه سئل عنه، وعن موسى بن عبيدة الرَّبَذِي أيهما أحب إليك؟ فقال: محمد بن إسحاق ثقة وليس بحجة. فإنما ذهب إلى أنه أمثل في نفسه من موسى بن عبيدة الربذي ..... " ().
ووصف الحافظ ابن حجر كلام أبي الوليد الباجي هذا بقوله: "قاعدة جليلة فيمن اختلف النقل عن ابن معين فيه" ().
3 - الحافظ الزركشي (ت 794ه):
¥