فالتمسناه فلم نجده " , فقال الأعرابي: واغدراه! فنهمه الناس و قالوا: قاتلك
الله , أيغدر رسول الله صلى الله عليه وسلم ?! فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: " دعوه , فإن لصاحب الحق مقالا " , فردد رسول الله صلى الله عليه وسلم
ذلك مرتين أو ثلاثا , فلما رآه لا يفقه عنه قال لرجل من أصحابه: اذهب إلى خولة
بنت حكيم بن أمية فقل لها: رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك: إن كان
عندك وسق من تمر الذخرة فأسلفيناه حتى نؤديه إليك إن شاء الله , فذهب إليه
الرجل , ثم رجع فقال: قالت: نعم , هو عندي يا رسول الله! فابعث من يقبضه ,
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل: اذهب به فأوفه الذي له. قال: فذهب
به فأوفاه الذي له. قالت: فمر الأعرابي برسول الله صلى الله عليه وسلم و هو
جالس في أصحابه. فقال: جزاك الله خيرا , فقد أوفيت و أطيبت. قالت: فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: و هذا إسناد حسن رجاله كلهم ثقات
رجال الشيخين غير ابن إسحاق - و هو محمد بن إسحاق بن يسار صاحب السيرة - و هو
حسن الحديث إذا صرح بالتحديث , فقد فعل كما ترى , فثبت الحديث و الحمد لله. و
قال الهيثمي (4/ 140): " رواه أحمد و البزار , و إسناد أحمد صحيح "! و
نقله عنه الشيخ الأعظمي في تعليقه على " الكشف " و أقره! و ذلك مما يدل القارئ
على ضآلة علمه , و قلة معرفته بهذا الفن , و ضيق باعه فيه , فإنه لم يبين سبب
التصحيح لسند أحمد دون سند البزار , ألا و هو التحديث و عدمه , و سكت عن
التصحيح , و إنما حقه التحسين كما فعلنا للخلاف المعروف في ابن إسحاق , و جل
تعليقاته من هذا النوع , لا تحقيق فيها و لا علم , و إنما هو مجرد النقل مما لا
يعجز عنه المبتدئون في هذا العلم كأمثاله من متعصبة الحنفية و غيرهم , و مع ذلك
لم يخجل بعضهم من السعي حثيثا لترشيحه لنيل جائزة السنة لهذه السنة (1400) من
الدولة السعودية تعصبا منه له , و صدق من قال: " إن الطيور على أشكالها تقع "
! و إنما حظي بها الأعظمي الآخر , و لعلها وجدت محلها. و لله في خلقه شؤون.
ثم إن قوله صلى الله عليه وسلم: " دعوه فإن لصاحب الحق مقالا ". قد جاء في
قصة أخرى مختصرا من حديث أبي هريرة عند الشيخين و غيرهما , و هو مخرج في "
أحاديث البيوع ". قوله: (الذخرة): بمعنى الذخيرة , في " اللسان ": " و
الذخيرة: واحدة الذخائر , و هي ما ادخر , و كذلك (الذخر) و الجمع: أذخار "
. و لم يعرفها الأعظمي فعلق عليها بقوله: " كذا في الأصل مضبوطا بالقلم , و في
" النهاية ": الذخيرة نوع من التمر معروف "! قلت: و هي مفسرة في رواية أحمد
بـ (العجوة) كما رأيت. (الموفون المطيبون) أي الذين يؤدون ما عليهم من
الحق بطيب نفس. (نهمه) أي زجره. ثم وجدت له طريقا أخرى , فقال البزار (
1310): حدثنا معمر بن سهل حدثنا خالد بن مخلد حدثنا يحيى بن عمير عن هشام به
, قال البزار نحوه. ثم قال: " لا نعلم أحدا رواه عن هشام إلا يحيى ". قلت:
قال أبو حاتم: صالح الحديث. و ذكره ابن حبان في " الثقات " (7/ 601) و قال
الذهبي: " صدوق ". و هذا هو المعتمد , فقول الحافظ: " مقبول " , غير مقبول.
و قد روى عنه أربعة من الثقات. و سائر الرجال ثقات , فالإسناد جيد , و الحديث
به صحيح.