تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الرُّكْنِيَّةُ فَكَانَ السَّعْيُ مَعَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ نَظِيرَ الْوُقُوفِ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ مَعَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَذَلِكَ وَاجِبٌ لَا رُكْنٌ فَهَذَامِثْلُهُ، وَهُوَ نَظِيرُ رَمْيِ الْجِمَارِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُقَدَّرٌ بِعَدَدِ السَّبْعِ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِالْبَيْتِ، وَلَا يَصِحُّ اسْتِدْلَالُهُ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ؛ لِأَنَّ فِي ظَاهِرِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السَّعْيَ مَكْتُوبٌ، وَبِالِاتِّفَاقِ عَيْنُ السَّعْيِ غَيْرُ مَكْتُوبٌ فَإِنَّهُ لَوْ مَشَى فِي طَوَافِهِ بَيْنَهُمَا أَجْزَأَهُ، وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ دُونَ الرَّكِينَةِ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ التَّمَامَ بِالسَّعْيِ، وَأَدَاءُ أَصْلِ الْعِبَادَةِ يَكُونُ بِأَرْكَانِهَا فَصِفَةُ التَّمَامِ بِالْوَاجِبِ فِيهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ تَرَكَ مِنْهُ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ فَهُوَ كَتَرْكِ الْكُلِّ فِي أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ يَقُومُ مَقَامَ الْكَمَالِ، وَإِنْ تَرَكَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ أَطْعَمَ لِكُلِّ شَوْطٍ مِسْكِينًا إلَّا أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ دَمًا فَحِينَئِذٍ يُنْقِصُ مِنْهُ مَا شَاءَ، وَهُوَ نَظِيرُ طَوَافِ الصَّدَرِ فِي ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إنْ فَعَلَهُ رَاكِبًا فَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهِ الدَّمُ فِي الْأَكْثَرِ، وَالصَّدَقَةُ فِي الْأَقَلِّ لِمَا بَيَّنَّا 5/ 37ـ39

وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَيْسَ بِفَرْضٍ وَلَا، وَاجِبٍ، وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}، وَكَلِمَةُ لَا جُنَاحَ لَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْفَرَائِضِ، وَالْوَاجِبَاتِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ أَبِي فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا، وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِمَا رُوِيَ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ فُلَانٍ أَنَّهَا سَمِعَتْ امْرَأَةً سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ {إنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا، وَالْمَرْوَةِ} أَيْ فَرَضَ عَلَيْكُمْ؛ إذْ الْكِتَابَةُ عِبَارَةٌ عَنْ الْفَرْضِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ} وَ {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ}، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَنَا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}، وَحِجُّ الْبَيْتِ هُوَ زِيَارَةُ الْبَيْتِ لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ، فَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ هُوَ الرُّكْنَ لَا غَيْرُ، إلَّا أَنَّهُ زِيدَ عَلَيْهِ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ بِدَلِيلٍ، فَمَنْ ادَّعَى زِيَارَةَ السَّعْيِ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ ـ بدائع الصنائع4/ 402

قال ابن قدامة رحمه الله في المغني:

فصل: واختلفت الرواية في السعي فروي عن احمد أنه ركن لا يتم الحج إلا به وهو قول عائشة و عروة و مالك و الشافعي لما روي [عن عائشة قالت: طاف رسول الله صلى الله عليه و سلم وطاف المسلمون يعني بين الصفا والمروة فكانت سنة ولعمري ما أتم الله حج من لم يطف بين الصفا والمروة] رواه مسلم و [عن حبيبة بنت أبي شجراء إحدى نساء بني عبد الدار قالت: دخلت مع نسوة من قريش دار آل أبي حسين ننظر إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يسعى بين الصفا والمروة وإن مئزره ليدور في وسطه من شدة سعيه حتى إني لأقول إني لأرى ركبتيه وسمعته يقول: اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي] رواه ابن ماجة ولأنه نسك في الحج والعمرة فكان ركنا فيهما كالطواف بالبيت وروي عن أحمد أنه سنة لا يجب بتركه دم روي ذلك عن ابن عباس وأنس وابن الزبير وابن سيرين لقول الله تعالى: {فلا جناح عليه أن يطوف بهما} ونفي الحرج عن فاعله دليل على عدم وجوبه فإن هذا رتبة المباح وإنما تثبت سنيته بقوله: من شعائر الله وروي أن مصحف أبي وابن مسعود: فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما وهذا إن لم يكن قرآنا فلا ينحط عن رتبة الخبر لأنهما يرويانه عن النبي صلى الله عليه و سلم ولأنه نسك ذو عدد لا يتعلق بالبيت فلم يكن ركنا كالرمي وقال القاضي هو واجب وليس بركن إذا تركه وجب عليه دم وهو مذهب الحسن وأبي حنيفة والثوري وهو أولى لأن دليل من أوجبه دل على مطلق الوجوب لا على كوه لا يتم الحج إلا به وقول عائشة في ذلك معارض بقول من خالفها من الصحابة وحديث بنت أبي شجرة قال ابن المنذر يرويه عبد الله بن المؤمل وقد تكلموا في حديثه ثم هو يدل على انه مكتوب وهو الواجب وأما الآية فإنها نزلت لما تحرج ناس من السعي في الإسلام لما كانوا يطوفون بينهما في الجاهلية لأجل صنمين كانا على الصفا والمروة كذلك قالت عائشة السعي تبع للطواف لا يجوز إلا أن يتقدمه ـ شاملة 3/ 406

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير