(ت 277ه): "إذا رأيت البغدادي يحب أحمد بن حنبل فاعلم أنه صاحب سنة، وإذا رأيته يبغض يحيى بن معين فاعلم أنه كذاب" ().
ومع شدة ورعه ودقته وشهرته عند أهل الحديث وغيرهم كان يمزح مع بعض النقاد والحفاظ أحياناً، وقد ينقد ويجرح ولا يريد حقيقة النقد؛ فقد روى الخطيب بسنده: أن أحمد بن حنبل وابن معين وعلي بن المديني كانوا عند عفان أو سليمان بن حرب، فأتى بصك فشهدوا فيه، وكتب يحيى فيه "شهد يحيى بن أبي علي، وقال عفان لهم: أما أنت يا أحمد فضعيف في إبراهيم ابن سعد، وأما أنت يا علي فضعيف في حماد بن زيد، وأما أنت يا يحيى فضعيف في ابن المبارك. قال: فسكت أحمد وعلي: وقال يحيى: وأما أنت يا عفان فضعيف في شعبة. قال الخطيب: قلت: لم يكن واحد منهم ضعيفاً، وإنما جرى هذا الكلام بينهم على سبيل المزاح" ().
وفي: شجاع بن الوليد بن قيس السكوني أبو بدر الكوفي (ت 204ه) ().
روى الخطيب بسنده إلى المروزي وحنبل بن إسحاق أن الإمام أحمد قال: "كنت مع يحيى بن معين فلقي أبا بدر فقال له: اتق الله يا شيخ وانظر هذه الأحاديث لا يكون ابنك يعطيك. قال أبو عبدالله: فاستحييت وتنحيت ناحية، فبلغني أنه قال: إن كنت كاذباً ففعل الله بك وفعل. قال أبو عبد الله: وكان أبو بدر شجاعاً شيخاً صالحاً صدوقاً كتبنا عنه قديماً. قال: ولقيه يحيى ابن معين يوماً فقال له: يا كذاب، فقال له الشيخ: إن كنت كاذباً فهتكك الله. قال أبو عبد الله: فأظن دعوة الشيخ أدركته" ().
قال الحافظ ابن حجر: "فكأنه كان مازحه فما احتمل المزاح" (). ولعل الحافظ استدل على ذلك بتوثيق ابن معين نفسه في روايات ابن أبي خيثمة، وعبد الخالق بن منصور، والدوري للشيخ حيث قال عنه: "ثقة" ().
خامساً: يجب التثبت من عدم وقوع التصحيف في مصطلحي (لا بأس به) و (ليس بشيء):
فمثلاً: عيينة بن عبد الرحمن بن جَوْشن الغطفاني (ت في حدود 150ه) ().
فقد أورده ابن شاهين في (المختلف فيهم) وذكر أن ابن معين قال عنه في رواية يزيد بن الهيثم - ثقة (ت 284ه) -: "ثقة وأبوه ثقة" ()، وفي رواية عباس الدوري: "أنه ثقة" ()، وروى أيضاً فيه عن ابن معين أنه قال: "ليس بشيء" (). ثم قال: "ويحتمل أن يكون القول فيه قول أحمد بن حنبل - قال فيه: ليس به بأس، صالح الحديث - وأحد قولي يحيى بن معين؛ لأن يحيى قد وثقه في رواية، وضعفه في أخرى" (). والصواب: "لا بأس به" لذا قال الحافظ الذهبي: "وثقه ابن معين ... " ().
سادساً: قد يطلق ابن معين قوله: (ليس بشيء) ولا يريد بها الراوي، بل: أحاديثه قليلة:
قال الحافظ ابن حجر - في ترجمة عبد العزيز بن المختار الدباغ البصري- ():
"وثقه ابن معين في رواية ابن الجنيد وغيره، وقال في رواية ابن أبي خيثمة عنه (ليس بشيء)، وقال أبو حاتم: مستوى الحديث ثقة، ووثقه العجلي وابن البرقي والنسائي، وقال ابن حبان في الثقات: يخطئ. قلت: احتج به الجماعة وذكر ابن القطان الفاسي (ت 628ه) أن مراد ابن معين بقوله في بعض الروايات: "ليس بشيء"، يعني أن أحاديثه قليلة جداً" ().
وعبد العزيز بن المختار له في الكتب الستة (41) حديثاً و (6) أحاديث في مسند أحمد. وأما قول ابن معين فهو كما ذكر الحافظ: "ثقة" رواه عنه ابن الجنيد، وإسحاق بن منصور، والدوري ().
ولذلك يتساءل الذهبي عن رواية ابن أبي خيثمة فيقول: "وما عرفت سبب قول ابن معين فيما سمعه يقول أحمد بن زهير: "ليس بشيء" (). ونعته في الكاشف بأنه: "ثقة مكثر" ().
وقول الحافظ الذهبي يتناقض مع قول ابن القطان في هذا الراوي الذي يؤيده تخريج أصحاب الكتب الستة له (41) حديثاً؛ وأكد السخاوي ذلك حيث نقل عن ابن القطان مراد ابن معين بـ"ليس بشيء": "إنما يريد أنه لم يرو حديثاً كثيراً" (). ويرى الشيخ عبد الفتاح أبي غدة - رحمه الله -: أن "هذا القصد في عبارة ابن معين الظاهر أنه غيرُ مطّرد فقد جاء قوله: (ليس بشيء، ولاشيء) في مواطن عديدة من كلامه مراداً به تضعيف الراوي لا بيان قلة أحاديثه، وإليك بعض تلك المواطن ... " وذكر (31) شاهداً ثم جزم بهذا المراد ().
أقول: لا مانع إذا أراد ابن معين بعض الرواة بهذا المعنى الذي ذكره ابن القطان والله أعلم.
سابعاً: قد يطلق ابن معين قوله: (ليس هذا بشيء) ولا يريد الراوي بل الحديث:
¥