قلت: إسحاق بن إبراهيم هو ابن سعيد المزني: وهو ضعيف يعتبر به، وعبد الرحمن بن إسحاق قال الحافظ في (التقريب): صدوق.
هذا، وقد خالف الثلاثة ومنهم مالك، خالفهم أبو أويس.
أخرجه أحمد في (المسند) [2/ص:392]، قال ثنا حسين قال ثنا أبو أويس ثنا صفوان بن سليم مولى حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن سعيد بن سلمة بن الأزرق المخزومي عن أبي بردة بن عبد الله أحد بني عبد الدار بن قصي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جاءه ناس صيادون في البحر فقالوا يا رسول الله: إنَّا أهل أرماث وإنَّا نتزود ماء يسيراً إن شربنا منه لم يكن فيه ما نتوضأ به، وإن توضأنا لم يكن فيه ما نشرب، أفنتوضأ من ماء البحر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (نعم؛ فهو الطهور ماؤه الحل ميتته).
قلت: وجه المخالفة كما ترى في السند: أن أبا أويس جعل شيخ سعيد بن سلمة هو (أبو بردة بن عبد الله أحد بني عبد الدار بن قصي) وليس المغيرة بن أبي بردة.
فأبو أويس هذا هو عبد الله بن عبد الله بن أويس قريب مالك وصهره، (صدوق يهم) قاله الحافظ في التقريب، فتترجح رواية مالك - ولا شك - ومَنْ معه.
هذا، وقد توبع صفوان بن سليم تابعه الجلاح أبو كثير:
أخرجه الحاكم في (المستدرك) [1/رقم:493]، وعنه البيهقي في (الكبرى) [1/ص:3] من طريق يحيى بن بكير حدثني الليث عن يزيد بن أبي حبيب حدثني الجلاح أبو كثير أن ابن سلمة المخزومي حدثه أن المغيرة بن أبي بردة أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فجاءه صياد؛ فقال يا رسول الله: إنَّا ننطلق في البحر نريد الصيد، فيحمل معه أحدنا الإداوة وهو يرجو أن يأخذ الصيد قريباً، فربما وجده كذلك، وربما لم يجد الصيد حتى يبلغ من البحر مكاناً لم يظن أن يبلغه، فلعله يحتلم أو يتوضأ؛ فإن اغتسل أو توضأ بهذا الماء فلعل أحدنا يهلكه العطش، فهل ترى في ماء البحر أن نغتسل به أو نتوضأ به إذا خفنا ذلك؟ فزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اغتسلوا منه وتوضئوا به فإنه الطهور ماؤه الحل ميت).
قلت: توبع يحيى بن بكير، تابعه أبو النضر هاشم بن القاسم وأبو صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث، فروياه عن الليث به.
أخرجه البخاري في (التاريخ الكبير) [3/ 478]، وعنه البيهقي في (معرفة السنن والآثار) [1/ص:154]، وأخرجه أبو عبيد في (كتاب الطهور) [رقم:232]
قلت: وخالفهم قتيبةُ بنُ سعيدٍ، فرواه عن الليث عن الجلاح عن المغيرة عن أبي هريرة به.
أخرجه أحمد في (المسند) [2/ص:378]، قال حدثنا قتيبة بن سعيد عن ليث عن الجلاح أبي كثير عن المغيرة عن أبي بردة عن أبي هريرة أن ناساً أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنَّا نبعد في البحر ولا نحمل من الماء إلا الإداوة والإداوتين لأنَّا لا نجد الصيد حتى نبعد أفنتوضأ بماء البحر؟ قال: (نعم؛ فإنَّه الحل ميتته الطهور ماؤه).
قلت: قتيبة بن سعيد مع أنه ثقة ثبت غير أنه شذ في روايته هذه لمخالفته هؤلاء الجماعة عن الليث لقرائن منها:
1 - الكثرة.
2 - أن يحيى بن عبد الله بن بكير قال ابن عدي: (من أثبت الناس في الليث)
3 - أن أبا صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث، لازمه عشرين سنة، ولا شك أن الملازمة هذه المدة الطويلة تعد قرينة قوية في مثل هذا الحديث، وإن تكلم فيه، غير أنه حسن الحديث ما لم يخالف.
4 - وأن أبا النضر هاشم بن القاسم من شيوخ الإمام أحمد ثقة، وكان يرجحه على وهب ابن جرير.
هذا، وقد خولف الليث بن سعد خالفه محمد بنُ إسحاق، فزاد ونقص:
أخرجه الدارمي في (السنن) [1/رقم:728]، والبيهقي في (معرفة السنن والآثار) [1/ص:156] من طريق محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن الجلاح عن عبد الله بن سعيد المخزومي عن المغيرة بن أبي بردة عن أبيه عن أبي هريرة قال: أتى رجال من بني مدلج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إنَّا أصحاب هذا البحر نعالج الصيد على رمث، فنعزب فيه الليلة والليلتين والثلاث والأربع، ونحمل معنا من العذب أشفاهنا، فإن نحن توضأنا به خشينا على أنفسنا، وإن نحن آثرنا بأنفسنا وتوضأنا من البحر وجدنا في أنفسنا من ذلك، فخشينا أن لا يكون طهوراً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (توضئوا منه فإنه الطاهر ماؤه الحلال ميتته).
¥