وفي رفعهما للدعاء, واستقبال الوجه ببطنهما, ومسح الوجه بهما بعد الدعاء خارج الصلاة – في عمل بعض السلف – وفي النفث بهما والمسح على البدن وضرب اليدين على الأَرض لتيمم, ومسح الوجه بهما, وهكذا.
والذكر دعاء, وسنة الدعاء باليدين معاً, وكما أَن رفعهما ووضعهما على الصدر: ((زينة الصلاة)) كما قال بعض السلف, فكذلك عقد التسبيح بهما زينة للصلاة بعدها. وأَما الإِشارة إِلى الحجر الأَسود أَو استلامه باليمنى فقط؛ فلأَنه من باب السلام, والسلام باليمين.
ولهذا ذكر البغدادي في ((خِزانة الأَدب)) ([6] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=814727#_ftn6)): أَنه لما شرفت اليمين بالتيامن, شُرِّفَت الشمال معها بعقد التسبيح. وليس عقد التسبيح بهما بأَبلغ من قراءة القرآن والنفث فيهما ثم مسح البدن.
وهذا التوجيه من أَعظم الأَدلة في تقرير مسائل العلم؛ لأَن أَحكام الشريعة في جهة واحدة, تجري على نسق واحد ولهذا صار من مواضع الخطأ التي تصرف عن صحة النظر: ((التجريد في الدليل عما يحف به)) وقد بينته – ولله الحمد – بسطاً في: ((التأْصيل لأُصول التخريج وقواعد الجرح والتعديل)).
فهذه الوجوه الإِسنادية والمتنية, جلية كافية في دلالة السنة على عقد التسبيح, وأَنه باليد, وأَن المراد بها جنس اليد, فيشمل اليدين وعقد التسبيح بأَصابعهما, وأَن لفظ: ((بيمينه)): شاذ غير محفوظ, وهذا من أَنواع الحديث الضعيف فَلاَ يُعمل به.
• تنبيه مهم: لا يُؤثر على هذا ما تراه في وصف ((حاسب اليد)) ويقال: ((حساب العقود)) وقد أُلِفت فيه كُتُبٌ نظماً ونثراً, ومنها: أرجوزة: محمد بن أَحمد الموصلي الحنبلي المطبوعة في: ((بلوغ الأَرب)) للآلوسي: (3/ 379 - 385) مع التعليق عليها, وأَرجوزة: على بن المغربي, المتوفى سنة 684هـ, المشهورة باسم: ((لوح الحفظ)) وشرحها لابن شعبان, وفي ((نشوار المحاضرة)) و ((فتح الباري)): (13/ 107 - 109). ومختصر ذلك في ((سبل السلام)) للصنعاني؛ عند حديث عقد الأَصابع في الجلوس للتشهد.
فإِن وصف عقد الحساب هذا قد حصل التواضع عليه ((للإِخبار)) عن حساب وعدد بعينه, كثمن سلعة أًو سومها, فللآحاد: الخنصر, والبنصر, والوسطى, وللعشرات: الإِبهام والسبابة, من اليد اليمنى, وللمئين من اليد اليسرى: الخنصر والبنصر والوسطى, وللألوف من اليسرى: الإِبهام والسبابة.
وعليه: فلا مدخل لهذا ((الإِخبار)) عن وصف حساب العقود باليد, بإِنشاء التعبد بعقد التسبيح, فإِن عقد الأَصابع تعبداً ((ثلاثاً وثلاثين)) بالتسبيح والتحميد والتكبير, لابد من عقد إِصبع لكل مرة, مجموعة أَو مفرقة حتى تبلغ ((تسعاً وتسعين)). ولهذا فإِن القائلين بقصر العَدِّ على أَصابع اليد اليمنى, يتعذر عليهم القول بقصر الآحاد على الخنصر, والبنصر, والوسطى. . . بل يتعذر ولا يأَتي البتة.
ومع جميع ما تقدم فإِن ظاهر عد النَّبي r لأَيام الشهر بأَصابع يديه الشريفتين وأَشار بها. . . الحديث, يفيد صفة العدد بأَصابع اليدين على المأْلوف, فكذلك ليكن عقد التسبيح بأَصابع اليدين كلتيهما.
ـــــــــــــــــ
(1) نظير هذا الحديث في التفرد في أَوله, والشهرة في آخره: أَول حديث في ((صحيح البخاري)): ((إِنما الأَعمال بالنيات)) وآخر حديث فيه: ((كلمتان. . .)).
(2) انظر: ((نتائج الأَفكار)) لابن حجر: (2/ 267) وحكى الاتفاق فقال: (وقد اتفقوا على أَن الثقة إِذا تميز ما حدث به قبل اختلاطه مما بعده قُبل, وهذا من ذاك) انتهى. تنبيه: في: ((السلسة الضعيفة)): (1/ 112, رقم / 83) , (3/ 48 - 49, رقم / 1002) عزا الحديث بلفظ: ((بيمينه)) إِلى: الترمذي, والنسائي في سننه, وفي: عمل اليوم والليلة, وإِلى الحاكم, وكل هذا غلط في العزو فلا يوجد عند هؤلاء بلفظ: ((بيمينه)) , وذكره على الصواب في تخريج: ((الكلم الطيب)) (ص / 69).
(3) انظر: ((شرح الأَذكار)) لابن علان: (1/ 250).
(4) ((إِحكام الأَحكام)) لابن دقيق العيد: (1/ 474 - 475) ((فتح الباري)): (4/ 164).
(5) ((إِحكام الأَحكام)): (2/ 342).
(6) بكسر الخاء, ولهذا يقولون: لا تفتح الخِزانة. ونحوه: لا تفتح الجراب, ولا تكسر القصعة, ولا تمد القفا, وإِذا دخلت مكة فافتح: ((طَوى)) وإِذا خرجت فضم: ((طُوى)) , والجنازة بفتح الجيم وكسرها, فالأَعلى للأَعلى, والأَسفل للأَسفل, وملِك بكسر اللام في الأَرض وبفتحها في السماء. ((فتح المغيث)): (3/ 43). و ((أَسرار العربية)) لأَحمد تيمور: (ص / 164).
ـ[عمرو فهمي]ــــــــ[08 - 05 - 08, 04:15 م]ـ
قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - في رسالته للشيخ بكر - رحمه الله - (بتاريخ 3/ 7/1413هـ) معقبا على تلك المسألة:
[المسألة الخامسة: عقد التسبيح هل هو باليمين وحدها، أو باليدين جميعاً، وبناء على ما ذكر فضيلتكم من ألفاظ الحديث يتبين أنها لا تتنافى؛ فإن لفظ اليد مجمل، ولفظ اليمين مبين، فلفظ اليد صالح لليمين واليسار، فإذا بين أنها اليمين فلا اختلاف حتى نلجأ إلى الترجيح؛ لأنه لا يخفى أن الترجيح يعني إلغاء أحد اللفظين وفضيلتكم يعرف ما في هذا.
ولما كان هذا اللفظ ورد بالإفراد صار المتعين أن يكون بإحدى اليدين: إما اليمنى، وإما اليسرى، ولا يحمل على الثنتين إلا بدليل لأن الأصل أن ما كان بصيغة المفرد فهو فرد، ولو كان صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح بيديه لقالوا: بيديه، كما هو المعتاد حين يذكرون مثل ذلك كما في رفع اليدين للدعاء.
هذا ما أحببت كتابته فضيلتكم؛ لأن الواجب التعاون فيما يقرب إلى الله تعالى، وأرجو أن يكون ذلك منه، وأن يكون منكم عناية فيما كتبناه.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.] ا. هـ
¥