ثانياً: لم ينقل عن أئمة المتقدمين كلاماً في الراوي أو في هذا الحديث على مبلغ علمي مع وجوده في سنن أبي داود. بل قد قال الضياء في المختارة (4/ 409):
"رواه علي بن المديني عن زيد بن الحباب عن مطيع بن راشد البصري، قال: نا توبة العنبري نا أنس بن مالك" اهـ
ولم ينقل كلاماً له بشأن الحديث.
أما قول ابن حبان فهو على الشك وليس على الرد كما هو واضح.
ثالثاً: تصحيح ائمة لهذا الحديث سوى ابن حجر والألباني منهم ابن حزم وابن شاهين وعبد الحق الإشبيلي وابن الملقن والمناوي.
وقد صحح سند مطيع الآخر عن توبة، البوصيري والهيثمي.
رابعاً: نعم قد تحامل الحافظ مغلطاي على الحافظ المزي في كتابه الإكمال ولكن لماذا نحمل الكلام على هذا ولا نحمله على سعة إطلاعه وشهرته بالنقل عن كتب مفقودة.
قال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله - في شرحه على سنن أبي داود:
قوله: [قال زيد: دلني شعبة على هذا الشيخ]. يعني: أن زيد بن الحباب أرشده شعبة إلى أن يروي عن مطيع، و شعبة معروف في نقده للرجال وكلامه في الرجال، وتمكنه من علم الجرح والتعديل، فكونه يدله على أن يروي عن هذا الشيخ يدل على منزلته عند شعبة، وأنه أهل أن يروى عنه. اهـ
وبعد فهذا نقل من عمدة القاري 3/ 108 لعله يحتاج الى وقفات:
" ... وبعد فليس في مضمضته، عليه الصلاة والسلام، وجوب مضمضة ولا وضوء على من شربه، إذا كانت أفعاله غير لازمة العمل بها لأمته، إذا لم تكن بياناً عن حكم فرض في التنزيل. وقال صاحب (التلويح) وفيه نظر من حيث إن ابن ماجه رواه عن عبد الرحمن بن إبراهيم: حدثنا الوليد بن مسلم. . . الحديث ذكرناه الآن. وفي حديث موسى بن يعقوب عنده ايضاً، وهو بسند صحيح، قال: حدثني أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة عن أبيه عن أم سلمة مرفوعا: (إذا شربتم اللبن فمضمضوا فإن له دسماً)، وعنده أيضا من حديث عبد المهين بن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مضمضوا من اللبن فإن له دسما). وعند ابن أبي حاتم في (كتاب العلل) من حديث أنس: (هاتوا ماء، فمضمض به). وفي حديث جابر رضي الله عنه من عند ابن شاهين: (فمضمض من دسمه). وقال الشيخ أبو جعفر البغدادي: الذي رواه أبو داود بسند لا بأس به عن عثمان بن أبي شيبة عن زيد بن حباب عن مطيع بن راشد عن توبة العنبري، سمع أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (شرب لبناً فلم يمضمض ولم يتوضأ وصلى)، يدل على نسخ المضمضة. وقال صاحب (التلويح): يخدش فيه ما رواه أحمد بن منيع في (مسنده) بسند صحيح: حدثنا إسماعيل حدثنا أيوب عن ابن سيرين عن أنس، رضي الله تعالى عنه: (أنه كان يمضمض من اللبن ثلاثاً)، فلو كان منسوخاً لما فعله بعد النبي، عليه الصلاة والسلام قلت: لا يلزم من فعله هذا، والصواب في هذا أن الأحاديث التي فيها الأمر بالمضمضة أمر استحباب لا وجوب، والدليل على ذلك ما رواه أبو داود المذكور آنفاً، وما رواه الشافعي، رحمه الله تعالى، بإسناد حسن عن أنس: (أن النبي، صلى الله عليه وسلم، شرب لبنا فلم يتمضمض ولم يتوضأ). فإن قلت: ادعى ابن شاهين أن حديث أنس ناسخ لحديث ابن عباس. قلت: لم يقل به أحد، ومن قال فيه بالوجوب حتى يحتاج إلى دعوى النسخ؟." أهـ
ـ[محمد بن عبدالله]ــــــــ[16 - 06 - 08, 03:31 م]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
لم أتكلم عن قضية تصحيح الحديث إلا في نقلي الأخير عن ابن حبان، ثم نقلي عن ابن حزم، وكل كلامي كان حول مفهوم كلمة زيد بن الحباب.
وقولي: (ربما)، (لعل)، (أخشى) إنما هو -فقط- منهجيةٌ تعلمتُها، أفضل من: (بلا شك)، (بلا ريب)، (الذي لا محيد عنه)!
وسكوت أبي داود لا يفيد أنه ينقل الكلمة على التعديل، بل هو ينقل الحديث وما ألحقه به رواتُهُ من حكايات وأخبار وفوائد كما هي.
وللفائدة؛ فليس كون الراوي يروي الغرائب تجريحًا بإطلاق.
والدلائل توافرت -فيما كتبتُه آنفًا- على أن هذه الكلمة ليست تعديلاً ولا ثناءً، بل هي حكايةٌ عن أن الراوي يروي الغرائب، فيُحرِّصُ بعضُ الرواةِ بعضًا على الأخذ منه، وهذا مشهورٌ معروفٌ من منهجهم في تحمّل الأحاديث وسماعها، وأما كون شعبة لا يروي إلا عن ثقة، فمن ثم لا يدل إلا على ثقة، فهذا تمحّلٌ لا يقول به من اطّلع على حكايات المتقدمين وأخبارهم، وعرف مناهجهم وطرائقهم، وتأمل في هذا النموذج -في نماذج أخرى-: روى يزيد بن هارون عن أبي محمد الثقفي عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- حديثًا، ثم قال يزيد: (دلني على هذا الشيخ حمادُ بن سلمة). وكلمات الأئمة متوافرة في تكذيب الثقفي هذا (وهو العلاء بن زيد أو زيدل) وتركه، ولا يظن بحماد بن سلمة -وهو الإمام العَلَم الورع- توثيقُ -أو تقوية- كذابٍ يروي عن أنس أحاديث موضوعةً؛ الوضع ظاهرٌ فيها! بل حمادُ بن سلمة تحاشى الرواية عن الثقفي هذا مع أنه دلَّ عليه، كما فعل شعبة في حديثنا هذا.
ولم يُزعَم أن ابن حبان يردُّ الحديث، لكنَّ شكَّ مثلِهِ فيه قويٌّ، ولو كان الراوي ثقة عند ابن حبان -مع أنه متساهلٌ متوسعٌ في توثيق المجاهيل- لَذَكره في ثقاته، وجزم بصحة الحديث دون شكّ، وأخرجه في صحيحه.
وأما نسبة مغلطاي ما نسب لأبي داود، فحتى لو صح أن أبا داود أثنى على الرجل -وذلك بعيد في غالب ظني-، فهذا لا يفيد أنه ثقة ضابط لحديثه، فإنه يتطرق إلى ثنائه احتمالات أخرى، خاصة مع إتيان الراوي بهذا الإسناد الغريب، والمتن المخالف.
والحديثُ -فضلاً عن إعلاله بمطيع بن راشد- فيه علةٌ أخرى أشرتُ إليها في نقلي كلام البوصيري، حيث إن ابن سيرين روى عن أنس -رضي الله عنه- أنه كان يتمضمض من اللبن ثلاثًا، وهذه الرواية عن أنس أقوى بكثير من رواية توبة العنبري عنه، وهي تعلُّها.
والله أعلم.
¥