الثالث عشر: كتاب نزهة الحفاظ للإمام أبي موسى محمد بن عمر المديني (ت581هـ):
وعليه زيادات أبي عبد الله محمد بن مكي الأصبهاني (616هـ) ـ راوية الكتاب عن أبي موسى المديني ـ عليه ().
وبعد:
فهذا ما وقفتُ عليه من الزيادات على كتب السنة، وربَّما وُجدت غيرها لم أتمكَّن من الوقوف عليها، وعلى أيِّ حال فإن فيما ذكرتُ كفاية لإثبات ما تقدّم ذكره من التفرقة بين الزوائد والزيادات، وأنَّ شرط الزيادات أن تكون من راوية الكتاب عن مؤلفه أو من راوية أنزل، وعليه فإنَّ التعبير عنها بمصطلح ((الزوائد)) غير صحيح.
أهميَّة معرفة الزيادات:
تكمن أهميَّة معرفة الزيادات وتمييزها عن أحاديث الكتاب المزيد عليه في كونها ليست على شرط صاحب الكتاب الأصلي من حيث صحةُ الأحاديث أو ثقةُ الرواة، أو يُظنُّ أنَّ أحد رواة الزيادات من رجال الكتاب المزيد عليه وليس كذلك، فيقع الوهم واللبس، وقد وقع في ذلك الإمام أبو مسعود الدِّمشقي حيث ذكر الحافظ ابن حجر في التهذيب (2/ 224) في ترجمة الحسن بن بشر السلمي أنَّ أبا مسعود قال في الأطراف في حديث عائشة مرفوعاً: ((كان رسول الله ? يُعجبه الحلواء والعسل)): ((إنَّ مسلماً رواه عن أبي كريب وهارون بن عبد الله والحسن بن بشر، ثلاثتهم عن أبي أسامة)).
ثم تعقَّبه الحافظ بقوله: ((والذي في الأصول من الصحيح: حدَّثنا أبو كريب وهارون بن عبد الله قالا: ثنا أبو أسامة، ليس فيه الحسن بن بشر، لكن قال فيه إبراهيم بن سفيان ـ الراوي عن مسلم ـ عقب هذا الحديث: حدَّثنا الحسن بن بشر، ثنا أبو أسامة مثله، فهذا من زيادات إبراهيم وهي قليلة جدًّا)).
ولذلك قال في التقريب أيضاً (ص:159): ((صدوق، لم يصح أنَّ مسلماً روى عنه، وإنَّما روى عنه أبو إسحاق بن سفيان الراوي عن مسلم مواضع علا فيها إسناده)).
فالحسن إذاً ليس من رجال مسلم، وليس على شرطه.
ومن الوهم الذي يقع للباحثين نتيجة عدم تميُّز هذه الزيادات، جعلُ الشيخ تلميذاً والتلميذَ شيخاً، وهو ما وقع فيه جامعو كتاب ((المسند الجامع)) في (3/ 233) عند تخريجهم حديث بريدة بن الحصيب مرفوعاً: ((كان رسول الله ? إذا أمَّر أميراً على جيش أو سرية ... ))، الحديث فقالوا: ((وأخرجه مسلم قال: حدَّثنا إبراهيم، قال: حدَّثنا محمد بن عبد الوهاب الفرَّاء ... )).
فإبراهيم هذا هو ابن سفيان الراوي عن مسلم، وإسناده هذا من زياداته على صحيح مسلم.
وقد تنبَّه إلى مثل ما تقدّم شيخنا الأستاذ الدكتور / مسفر الدميني حيث قال في مقدّمة بحثه زيادات أبي الحسن القطان (ص:6، 7): ((والناظر في صنيع الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي والدكتور محمد مصطفى الأعظمي عند طبع كلٍّ منهما للكتاب (يعني سنن ابن ماجه) يجد لبساً في إخراج الكتاب حيث لم تُميَّز الزيادات عن الأصل ... ثم قال: وعملهما هذا ـ غفر الله لهما ـ يوهم بعض طلاَّب العلم أنَّ الجميع من سنن ابن ماجه، وأنَّ تلك الزيادات من معلقات ابن ماجه عن أبي الحسن، بينما الأمر خلاف ذلك، فأبو الحسن القطان تلميذ ابن ماجه وراوية سننه وليس شيخه، وتلك الأحاديث الواردة في صورة التعليق من زيادات أبي الحسن القطان على كتاب شيخه ابن ماجه، ثم إنَّها ليست معلَّقة، بل مسندة له، فربَّما التقى مع شيخه أثناء الإسناد، وربَّما استقلَّ بحديث تام بإسناده ومتنه)). اهـ.
فوائد الزيادات:
بعد تأمل نصوص زيادات ابن سفيان على صحيح مسلم يمكن تلخيص ما استنبطته من فوائد فيما يلي:
1 ـ علو الإسناد:
وقد كان العلو بدرجة في جميع نصوص الزيادات الثلاثة عشر، غير أنَّ النصَّ رقم (5) تميَّز بموافقة () ابن سفيان لشيخه مسلم، حيث روى مسلم الحديث عن عبد الرحمن بن بشر العبدي، عن سفيان بن عيينة، ورواه ابن سفيان تلميذ مسلم كذلك عن عبد الرحمن، عن سفيان.
وهذه الفائدة هي الدافع الأكبر لتأليف الزيادات؛ فإنَّ طلبَ العلوِّ من الحديث من علوِّ همَّة المحدِّث ونبل قدره وجزالة رأيه، كما قال محمد بن طاهر المقدسي ().
2 ـ وصل الرواية التي جاءت عن رجل مبهم في الكتاب المزيد عليه:
وذلك كما في النص (11) حيث رواه مسلم في الطريق الثاني عن مبهم، فقال: حدَّثنا عدَّةٌ من أصحابنا، عن سعيد بن أبي مريم.
ورواه ابن سفيان موصولاً وموضحاً تلميذ سعيد، فقال: حدَّثنا محمد بن يحيى، حدَّثنا ابن أبي مريم.
ومحمد بن يحيى هو الذهلي.
3 ـ بيان متابعة الراوي الصدوق الذي جاء في الكتاب المزيد عليه براوٍ ثقة:
وذلك كما في النص (4) الذي رواه مسلم عن حجَّاج بن الشاعر، عن عبد الصمد ابن عبد الوارث، عن شعبة. وعبد الصمد: صدوق، كما قال ابن حجر ().
ورواه ابن سفيان، عن محمد بن عبد الوهاب الفراء، عن الحسين بن الوليد، عن شعبة. والحسين بن الوليد هو القرشي: ثقة ().
4 ـ تكثير طرق الحديث، ومن فوائده دفع الغرابة:
وذلك في النص (10) الذي رواه مسلم، عن أبي بكر بن إسحاق، عن أبي مسهر.
ورواه ابن سفيان، عن الحسن والحسين ابني بشر ومحمد بن يحيى، ثلاثتهم عن أبي مسهر.
وكما في النص (13) الذي رواه مسلم، عن سريج بن يونس وهارون بن عبد الله، كلاهما عن حجاج بن محمد.
ورواه ابن سفيان، عن الحسين بن عيسى البسطامي وسهل بن عمار وإبراهيم بن بنت حفص وغيرهم، عن حجاج.
5 ـ دفع احتمال اختصار متن الحديث من أحد الرواة في إسناد الكتاب المزيد عليه، وتحميله على راوٍ آخر:
وذلك كما في النص (10) الذي رواه مسلم من طريقي مروان الدمشقي وأبي مسهر، كلاهما عن سعيد بن عبد العزيز، ثم قال: ((غير أنَّ مروان أتمَّهما حديثاً))، فأوهم أنَّ أبا مسهر اختصره.
ورواه ابن سفيان عن ثلاثة من شيوخه، عن أبي مسهر وقال: ((فذكروا الحديث بطوله))، فتبيَّن من كلامه أنَّ الذي اختصر المتن في رواية مسلم ليس أبا مسهر، وإنَّما الراوي عنه أبو بكر بن إسحاق.
والكتاب موجود كاملا على هذا الرابط
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?s=&threadid=5697
¥