و قال خيثمة بن سليمان: سمعت محمد بن عوف الطائى يقول: أتينا هشام بن عمار فى مزرعة له و هو قاعد على مورج له و قد انكشفت سوءته، فقلنا: يا شيخ غط عليك.
فقال: رأيتموه؟ لن ترمد أعينكم أبدا.
و قال الحافظ أبو عبد الله محمد بن أبى نصر الحميدى: أخبرنى بعض أهل الحديث ببغداد أن هشام بن عمار، قال: سألت الله سبع حوائج، فقضى لى منها ستا. و الواحدة ما أدرى ما صنع فيها. سألته أن يغفر لى و لوالدى، و هى التى لا أدرى ما صنع فيها، و سألته أن يرزقنى الحج، ففعل، و سألته أن يعمرنى مئة سنة
ففعل، و سألته أن يجعلنى مصدقا على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعل، و سألته أن يجعل الناس يغدون إلى فى طلب العلم ففعل، و سألته أن أخطب على منبر دمشق ففعل، و سألته أن يرزقنى ألف دينار حلال ففعل، قال: فقيل له: كل شىء
قد عرفناه، فألف دينار حلال من أين لك؟ قال: و جه المتوكل ببعض ولده ليكتب عنى لما خرج إلينا و نحن نلبس الأزر و لا نلبس السراويلات، فجلست فانكشف ذكرى
فرآه الغلام فقال: استتر يا عم، قلت: رأيته؟ قال: نعم، فقلت له: أما أنه لا ترمد عينك أبدا إن شاء الله. فلما دخل على المتوكل ضحك، فسأله فأخبره بما قلت له. فقال: فأل حسن تفاءل لك به رجل من أهل العلم، احملوا إليه ألف دينار، فحملت إلى فأتتنى من غير مسألة، و لا استشراف نفس.
و قال أبو بكر محمد بن سليمان الربعى، عن محمد بن الفيض الغسانى: سمعت هشام بن عمار بن نصير يقول: باع أبى بيتا له بعشرين دينارا، و جهزنى للحج، فلما صرت إلى المدينة، أتيت مجلس مالك بن أنس، و معى مسائل أريد أن أسأله عنها،
فأتيته و هو جالس فى هيئة الملوك و غلمان قيام و الناس يسألونه و هو يجيبهم، فلما انقضى المجلس، قال لى بعض أصحاب الحديث: سل عن ما معك، فقلت له: يا أبا عبد الله ما تقول فى كذا و كذا؟ فقال: حصلنا على الصبيان، يا غلام احمله! فحملنى كما يحمل الصبى و أنا يومئذ غلام مدرك فضربنى بدرة مثل درة المعلمين سبع عشرة درة، فوقفت أبكى، فقال لى مالك بن أنس: ما يبكيك؟ أوجعتك هذه، يعنى الدرة؟ قلت: إن أبى باع منزله و وجه بى أتشرف بك و بالسماع منك، فضربتنى، فقال: اكتب. فحدثنى سبعة عشر حديثا، و سألته عما كان معى من المسائل فأجابنى.
و قال يعقوب بن إسحاق بن محمود الهروى، عن صالح بن محمد الحافظ: سمعت هشام بن عمار يقول: دخلت على مالك بن أنس، فقلت له: حدثنى. فقال: اقرأ. فقلت: لا بل حدثنى. فقال: اقرأ، فلما أكثرت عليه. قال: يا غلام تعال اذهب بهذا فاضربه خمسة عشر. قال: فذهب بى فضربنى خمس عشرة درة. ثم جاء بى إليه، فقال: قد ضربته. فقلت له: لقد ظلمتنى، ضربتنى خمس عشرة درة بغير جرم، لا أجعلك فى حل، فقال مالك: فما كفارته؟ قلت: كفارته أن تحدثنى بخمسة عشر حديثا، قال: فحدثنى بخمسة عشر حديثا. فقلت له: زد من الضرب، و زد فى
الحديث. قال: فضحك مالك و قال: اذهب.
و قال أبو بكر محمد بن خريم الخريمى: سمعت هشام بن عمار يقول فى خطبته: قولوا الحق، ينزلكم الحق منازل أهل الحق يوم لا يقضى إلا بالحق.
و قال معروف بن محمد بن معروف الواعظ عن أبى المستضىء معاوية بن أوس بن الأصبغ السكسكى القوفانى من أهل قرية بيت قوفا: رأيت هشام بن عمار إذا مشى أطرق إلى الأرض لا يرفع رأسه إلى السماء حياء من الله عز و جل.
و قال أبو القاسم بن الفرات، عن أبى على أحمد بن محمد بن أحمد الأصبهانى المقرىء: لما توفى أيوب بن تميم فى سنة بضع و تسعين و مئة رجعت الإمامة حينئذ إلى رجلين أحدهما مشتهر بالقراءة و الضبط، تلاوة و رواية و هو عبد الله بن ذكوان فأتم الناس به بعد أيوب، و الآخر مشتهر بالنقل و الفصاحة و الرواية
¥