تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن المعلوم أن الثقة يخطئ، ولا يسلم من الخطأ أحد، وتظهر براعة أئمة العلل في بيان أخطاء الثقات، إذ أن أخطاء الضعفاء يسهل اكتشافها.

ومن ثم فقد قسم الأئمة الرواة بحسب ضبطهم وجودة روايتهم عن شيوخهم ومعرفتهم بهم وملازمتهم لهم إلى طبقات، يرجع إليها عند الاختلاف بقصد الترجيح.

فأصحاب الزهري قسموا إلى خمس طبقات:

فمن الطبقة الأولى: مالك، وابن عيينة، وعبيد الله بن عمر، ومعمر، ويونس، وعُقيل، وشعيب وغيرهم.

فهؤلاء جمعوا بين الحفظ والإتقان وطول الصحبة للزهري، والعلم بحديثه، والضبط له ().

وكما ترى فقد روى خمسة منهم هذا الحديث عن الزهري مرسلا: مالك، وعبيد الله بن عمر، ومعمر، ويونس، وشعيب. ورواه أيضا غيرهم، ممن دونهم في الحفظ والإتقان، وهم:

زياد، وإبراهيم، ويعلى، وعبد الله بن عمر.

وقد خَالَفَهُمْ بَعْضُ مَنْ لَمْ يَضْبِطْ فَأَغْرَبَ:

* فرواه قُرَّةُ عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وقرة ضعيف، وقد خالف.

* وتابعه عبد الرزاق بن عمر، عن الزهري، وعبد الرزاق متروك.

* وروي من طريق الأوزاعي عن الزهري به، ولا يصح عن الأوزاعي.

* ورواه يحيى بن أبي أنيسة، عن الزهري، عن علي بن الحسين، عن الحارث بن هشام!.

* ورواه عمر بن قيس، عن الزهري، عن علي بن الحسين، عن عمرو بن عثمان، عن أسامة بن زيد 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -!.

* ورواه عبد الله بن بديل عن الزهري عن سالم عن أبيه عبد الله بن عمر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -!.

وبهذا يتبين لك صواب كلام الحافظ ابن رجب حيث قال: وقد خلط فيه الضعفاء في إسناد عن الزهري تخليطا فاحشا. وسيأتي الكلام على كل رواية في محله إن شاء الله.

وقد يغتر بعض من لم يحقق بكثرة هذه الطرق وتعددها، فيصحح الحديث أو يحسنه، وسيتبين لك الصواب في ذلك بعون الله.

[كلام العلماء على هذه الطريق]

قال الإمام البخاري في التاريخ (4/ 220): ولا يصح إلا عن علي بن حسين عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.

وقال الترمذي: وهكذا روى غير واحد من أصحاب الزهري: عن الزهري عن علي بن حسين عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نحو حديث مالك مرسلا وهذا عندنا أصح من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة.

وقال العقيلي: والصحيح حديث مالك.

وقال الدارقطني في العلل (س310) (13/ 147) (13/ 258): والصحيح قول من أرسله عن علي بن الحسين عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.

وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في «معرفة الصحابة» (2/ 671): اختلف على الزهري فيه على أقاويل، وصوابه مرسل.

وقال ابن عبد البر في «التمهيد» (9/ 199): ولا يصح فيه عن الزهري إلا إسنادان ()، أحدهما ما رواه مالك ومن تابعه -وَهُمْ أَكْثَرُ أصحاب الزهري-: عن علي بن حسين مرسلا، والآخر ما رواه الأوزاعي عن قرة بن حيوئيل عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مسندا، والمرسل عن علي بن حسين أشهر وأكثر، وما عدا هذين الإسنادين فخطأ لا يُعَرَّجُ عليه.

وقال الخطيب في تاريخه (12/ 64): الصحيح عن مالك عن الزهري عن علي بن الحسين مرسلا عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.

وقال البيهقي في الشعب (4/ 255): إسناد الأول – يعني المرسل- أصحُّ.

وقال أبو طاهر السلفي: وأصحها حديث مالك، عن الزهري، عن علي بن الحسين عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.

وقال ابن طاهر في «صفة التصوف» (752): وحكم جماعةُ الحفاظ أن هذا الحديث إنما صح من رواية الزهري، عن علي بن الحسين مرسلا، وكذلك رواه عنه مالك في الموطأ، وجميع ما تقدم وَهَمٌ وخطأ.

وقال: والصحيح ما أشار إليه الحفاظ من رواية مالك عن الزهري عن علي بن الحسين مرسلا.

وقال المنذري في «الترغيب والترهيب» (3/ 345): قال جماعة من الأئمة: الصواب أنه عن علي بن حسين عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مرسل، كذا قال أحمد وابن معين والبخاري وغيرهم.

وقال ابن رجب في «جامع العلوم والحكم» (ح12): وأما أكثر الأئمة فقالوا ليس هو محفوظا بهذا الإسناد إنما هو محفوظ عن الزهري عن على بن حسين عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مرسلا كذلك رواه الثقات عن الزهري منهم مالك في الموطأ ويونس ومعمر وإبراهيم بن سعد إلا أنه قال: «مِنْ إِيمَانِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَالا يَعْنِيهِ» وممن قال إنه لا يصح إلا عن علي بن حسين مرسلا: الإمام أحمد ويحيي بن معين والبخاري والدارقطني وقد خلط الضعفاء في إسناده على الزهري تخليطا فاحشا والصحيح فيه المرسل. اهـ

وهنا أمر يجدر التنبيه عليه: قال أبو نعيم في الحلية (8/ 249):

حدثنا أبو يعلى وإبراهيم بن محمد قالا: ثنا محمد بن المسيب ثنا عبد الله بن خبيق ثنا يوسف بن أسباط عن سفيان الثوري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: «مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لا يَعْنِيهِ» غريب عن الثوري عن جعفر تفرد به يوسف فيما أرى، وقد روى يوسف مكان «علي بن الحسين» «علي بن أبي طالب» والصحيح «علي بن الحسين». اهـ

قلت: وهذا الحديث إنما رواه يوسف بن أسباط «عن علي بن أبي طالب»، وقد تصرف فيه أبو نعيم فجعله «عن علي بن الحسين».

وهكذا نقله الدارقطني في العلل (س310) فقال: « ... فرواه عن الثوري عن جعفر عن أبيه عن علي بن أبي طالب». فعده الدارقطني من حديث علي 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -.

وهذا الإسناد خطأ على الثوري، فإن يوسف بن أسباط كثير الخطأ، ولا يحتمل تفرده بمثل هذه الطريق عن إمام كالثوري رحمه الله تعالى، فكيف وقد خالفه الفريابي؛ فرواه عن الثوري، عن معمر، عن الزهري عن علي بن الحسين؟ وتقدم الكلام على شيء من ذلك.

وستأتي هذه الطريق في الكلام على حديث علي بن أبي طالب 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير