الوجه الثاني: أنه قد جاء في هذا الحديث قوله: (من فطّر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه، وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجره شيء).
وهذا المعنى قد جاء بإسناد أصح من هذا، وليس فيه ذكر هذه الأجور العظيمة.
فقد أخرج الترمذي (807) وغيره من طرق عن عطاء -وهو ابن أبي رباح- عن زيد بن خالد الجهني t قال: قال رسول الله r: ( من فطّر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً).
وهذا الخبر قد صححه الترمذي، وابن حبان (8/ 216).
إلا أنه منقطع؛ عطاء لم يسمع من زيد بن خالد، كما قاله علي بن المديني (المراسيل ص155)
وقد جاء لهذا الحديث شواهد بلفظه:
عن عائشة: مرفوعاً عند الطبراني في الأوسط (8/ 214) من طريق: الحكم بن عبد الله الأيلي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن عائشة عن النبي r به. وهذا سند باطل؛ الحكم: متروك، وجاء موقوفاً عليها عند النسائي في الكبرى (2/ 256) من طريق: حسين، عن عطاء، عن عائشة به. وهو خطأ، والصواب عطاء عن زيد.
وعن ابن عباس: مرفوعاً عند الطبراني في الكبير (11/ 187)، والعقيلي (1/ 244) من طريق: الحسن بن رشيد، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس عن النبي r به. وهو خطأ، والحسن بن رشيد: لا يحتج به.
وعن أبي هريرة: عند عبد الرزاق (4/ 311) موقوفاً –كما في المطبوع-، ويبدو أنه خطأ، والصواب رفعه؛ فقد رواه العقيلي (1/ 244) من طريق: إبراهيم بن محمد الصنعاني، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/ 192) من طريق: محمود بن غيلان، والبيهقي في الشعب (3954) من طريق: أبي الأزهر؛ ثلاثتهم عن: عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن صالح مولى التوأمة، عن أبي هريرة عن النبي r به.
وجاء عنه مرفوعاً عند الطبراني في الأوسط (6/ 69) من طريق: علي بن بهرام، عن عبد الملك بن أبي كريمة، عن ابن جريج، عن عطاء، عن أبي هريرة عن النبي r به. ولا يصح.
وإن كان لا يصح منها شيء، إلا أن حديث زيد بن خالد الجهني t يتقوّى بها.
وأصل هذا الحديث ما جاء في الصحيحين: البخاري (2843) ومسلم (1895) من حديث بسر بن سعيد عن زيد بن خالد الجهني t أن رسول الله r قال: (من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا).
فتبيّن مما تقدم أن حديث زيد هذا، أقوى من حديث سلمان الذي معنا بكثير.
ويؤيد ما جاء في حديث زيد بن خالد t من حيث المعنى:
1. ما جاء في صحيح مسلم (1893) من حديث أبي مسعود الأنصاري مرفوعاً: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله).
2. وما جاء في صحيح مسلم (2674) من حديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله r قال: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً).
فكل هذا يقوي القول بنكارة حديث سلمان، والله تعالى أعلم.
تنبيه: اختلف أهل العلم هل يكفي تفطير الصائم بأي شيءٍ كان، أم لابد من إشباعه؟
وحديث زيد بن خالد يدل على الإشباع، وهو قول أبي العباس ابن تيمية وغيره، ولو ثبت حديث سلمان لكان نصاً في المسألة ففيه قوله: (من فطّر صائماً على تمرة، أو شربة ماء، أو مذقة لبن)، ولا شك أن هذا لا يُشبع. والله أعلم.
ـ[أبو حذيفة التونسي]ــــــــ[14 - 08 - 08, 01:41 ص]ـ
الحديث الثاني:
قال رسول الله r: ( أعطيت أمتي خمس خصال في رمضان لم تعطها أمة قبلهم: خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا، ويزين الله عز وجل كل يوم جنته، ثم يقول: يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤنة والأذى ويصيروا إليك، ويصفد فيه مردة الشياطين فلا يخلصوا إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره، ويغفر لهم في آخر ليلة). قيل: يا رسول الله أهي ليلة القدر؟ قال: (لا، ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله).
هذا الحديث أخرجه أحمد (2/ 292)، والبزار (963 - كشف الأستار)، وابن شاهين في فضائل رمضان (27)، والبيهقي في الشعب (3602)، وفضائل الأوقات (35)، والطحاوي في شرح المشكل (8/ 12)، والأصبهاني في الترغيب (1757)، وابن أبي الدنيا في فضائل رمضان (18).
جميعهم من طريق: يزيد بن هارون، عن هشام بن أبي هشام، عن محمد بن الأسود، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة به.
وإسناده ضعيف جداً:
1. هشام متروك، قال ابن معين وأبو داود والنسائي: ليس بثقة.
2. وشيخه فيه جهالة.
وجاء من حديث جابر t عند ابن شاهين في فضائل رمضان (19)، والبيهقي في الشعب (3603)، وفضائل الأوقات (36) كلهم من طريق:
عبد الوهاب بن عطاء، عن الهيثم بن الحواري، عن زيد العمي، عن أبي نضرة، قال: سمعت جابر .. فذكره.
وهذا إسناد لا يصح أيضاً:
1. الهيثم بن الحواري لا يُعرف.
2. وزيد العمي ضعيف.
وما قال السمعاني في أماليه (كما في البدر المنير 1/ 697) بأنه: حديثٌ حسن، فيه نظر، ولعله يقصد حُسن ألفاظه.
وبعض فقرات هذا الحديث جاءت في نصوص أخرى صحيحة.
ففي الصحيحين: البخاري (1894، 5927)، ومسلم (1151) كلاهما من حديث: الزهري، عن سعيد بن المسيب، أنه سمع أبا هريرة t قال: سمعت رسول الله r يقول: (فو الذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك). وفي لفظ (لخلفة).
وليس فيه تخصيصه بهذه الأمة.
والله أعلم.
¥