وظاهر الحديث أنه لا تفريط في النوم سواء كان قبل دخول وقت الصلاة أو بعده قبل تضيقه وقيل: إنه إذا تعمد النوم قبل تضيق الوقت واتخذ ذلك ذريعة إلى ترك الصلاة لغلبة ظنه أنه لا يستيقظ إلا وقد خرج الوقت كان آثما , والظاهر أنه لا إثم عليه بالنظر إلى النوم ; لأنه فعله في وقت يباح فعله فيه فيشمله الحديث , وأما إذا نظر إلى التسبب به للترك فلا إشكال في العصيان بذلك " انتهى.
" نيل الأوطار " (2/ 33، 34).
ثالثاً:
والواجب على النائم قبل نومه أن يحرص على الاستيقاظ في وقت الصلاة، وأن يأخذ بالأسباب التي تعينه على أداء الصلاة في وقتها، فإن فعل ولم يستيقظ فهو معذور لأنه أدى الذي عليه و (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها)، وقد حصل هذا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره.
فعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: سرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فقال بعض القوم: لو عَرَّست بنا يا رسول الله (أي: نزلت بنا آخر الليل حتى نستريح)، قال: أخاف أن تناموا عن الصلاة، قال بلال: أنا أوقظكم، فاضطجعوا وأسند بلال ظهره إلى راحلته فغلبته عيناه فنام، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم وقد طلع حاجب الشمس، فقال: يا بلال أين ما قلت؟ قال: ما ألقيت علي نومة مثلها قط، قال: إن الله قبض أرواحكم حين شاء وردها عليكم حين شاء، يا بلال قم فأذن بالناس بالصلاة، فتوضأ فلما ارتفعت الشمس وابياضت قام فصلى. رواه البخاري (570) ومسلم (681) وعنده: (احفظوا علينا صلاتنا).
فالنبي صلى الله عليه وسلم قد أخذ بأسباب الاستيقاظ بجعله بلالاً لينبههم لصلاتهم، إلا أنه غلبته عيناه، فنام ونام القوم معه حتى طلعت الشمس ولم يكونوا مفرطين، ولذلك قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه ليس في القوم تفريط).
وأما من سهر في عمل أو غيره ولم يأخذ بأسباب الاستيقاظ فصلَّى بعد الوقت: فيعتبر تاركاً للصلاة متعمداً، وهو غير معذور بنومه.
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
عمن يسهر ولا يستطيع أن يصلي الفجر إلا بعد خروج الوقت فهل تقبل منه؟ وحكم بقية الصلوات التي يصليها في الوقت؟
فأجاب:
" أما صلاة الفجر التي يؤخرها عن وقتها وهو قادر على أن يصليها في الوقت لأن بإمكانه أن ينام مبكراً فإن صلاته هذه لا تقبل منه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) رواه مسلم، والذي يؤخر الصلاة عن وقتها عمداً بلا عذر: قد عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله فيكون مردوداً عليه.
لكن قد يقول: إنني أنام، وقد قال النبي صلي الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك).
فنقول: إذا كان بإمكانه أن ينام مبكراً ليستيقظ مبكراً، أو يجعل عنده ساعة تنبهه، أو يوصي من ينبهه: فإن تأخيره الصلاة، وعدم قيامه يعتبر تعمداً لتأخير الصلاة عن وقتها، فلا تقبل منه " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (12 / السؤال رقم 14).
رابعاً:
وقد يكون الرجل ثقيل النوم، فهذا على حالين:
الحال الأولى: أن يكون ثقل نومه بسبب سهره في العمل أو في طلب العلم أو قيام الليل: فمثل هذا لا يجوز له أن يتسبب في تضييع الصلاة عن وقتها من أجل ما سبق، ويجب عليه أن يبحث عن عمل آخر لا يسبب له تضييع الصلوات، كما لا يجوز له الاشتغال بالنوافل أو حتى طلب العلم – وهو واجب في أصله – على حساب تضييع الصلوات، وترك الصلاة هنا يعتبر تعمداً؛ لأنه يستطيع تغيير العمل، ويستطيع ترك السهر.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
" الواجب على الإخوة الذين يخرجون إلى الرحلات أن يشكروا الله تعالى على هذه النعمة حيث جعلهم في رخاء ويسر من العيش، وفي أمن وأمان من الخوف، ويقوموا بما أوجب الله عليهم من الصلاة في أوقاتها، سواء صلاة الفجر أم غيرها، ولا يحل لهم أن يؤخروا صلاة الفجر عن وقتها بحجة أنهم نائمون، لأن هذا النوم لا يعذرون فيه غالباً لكونهم يستطيعون أن يكون لهم منبهات تنبههم للصلاة في وقتها، ويستطيعون أن يناموا مبكرين حتى يقوموا نشيطين " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (12 / السؤال رقم 14).
وأما الحال الثانية: أن يكون ثقل النوم طبعاً في الرجل، وليس له تعلق بسهر أو عمل، وقد عرف هذا عن بعض الأقوام والأشخاص، فإن كان كذلك: فهو معذور إن كان قد أخذ بالأسباب ولم يستيقظ.
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده فقالت: يا رسول الله إن زوجي صفوان بن المعطل لا يصلي صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، قال: وصفوان عنده، قال: فسأله عما قالت، فقال: يا رسول الله إنا أهل بيت قد عرف لنا ذاك لا نكاد نستيقظ حتى تطلع الشمس قال: (فإذا استيقظت فصلِّ).
رواه أبو داود (2459) وصححه الشيخ الألباني في " إرواء الغليل " (7/ 65).
والخلاصة:
أن الذي يظهر من حالك أن ثقل نومك له تعلق بالسهر، والسهر كان بسبب العمل وعليه: فلا يجوز لك البقاء في عملك هذا؛ لأنه يؤدي بك إلى ترك أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، فابحث عن عمل غيره يعوضك الله خيراً منه. وسترى التغير الطيب في دينك وجسمك ونفسيتك، أما الدين: فإن أداء الصلوات في أوقاتها من أعظم الواجبات، وتركه من أعظم المحرمات، وأما جسمك: فإن علماء الطب قد ذكروا مضار كثيرة لمن يعمل بالليل، وأن نوم النهار لا يعطي الجسم الراحة التي تحصل له من نوم الليل، وكل ما سبق يؤثر على نفسيتك تأثيراً سلبيّاً.
والله أعلم.
الإسلام سؤال وجواب
¥