فقد وقعت على تخريج مفصل لهذا الحديث مع دراسة شاملة جامعة لأبي عثمان بن محمد الوادي.
قال بارك الله فيه:
كثير ممن يرى التوسل أو الاستغاثة بغير الله عز وجل يستدلون بأثر مالك الدار خازن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهذا نص الأثر
قال مالك الدار: أصاب الناس قحط في زمن عمر فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا فأتى الرجل في المنام فقيل له: ائت عمر فأقرئه السلام وأخبره بأنكم مستقيون وقل له: عليك الكيس فأتى عمر فأخبره فبكى عمر ثم قال: يا رب لا آلو إلا ما عجزت عنه.
استدل بهذا الأثر تقي الدين علي السبكي في شفاء السقام [ص 129 – 130]، ومحمد علوي مالكي في مفاهيمه [ص 89]، ويوسف خطار في موسوعته [ص 111 – 112]، والدكتور عمر كامل في استغاثته [ص 27].
هذا الأثر أخرجه ابن أبي شيبة فقال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن مالك الدار ... الحديث [ص 356/ 6] وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير في ترجمة مالك الدار قال: مالك بن عياض الدار أن عمر قال في قحط يا رب لا آلو إلا ما عجزت عنه قاله علي عن محمد بن خازم عن أبي صالح عن مالك الدار [ص 304/ 7]، وأخرجه الحافز الخليلي في الإرشاد فقال: من طريق أبي خيثمة حدثنا محمد بن خازم الضرير حدثنا الاعمش عن أبي صالح عن مالك الدار .... الحديث [ص 313/ 3]، وأخرجه البيهقي من طريق يحيى بن يحيى حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح عن مالك ... الحديث [البداية والنهاية ص 98/ 7].
وقد اختلف العلماء في تصحيح إسناد هذا الأثر فمنهم من يصححه ومنهم من يعله بعلل كثيرة، ولا شك أن ظاهر الإسناد الصحة، ولكنه معلول كما قرره البحث العلمي.
قال الحافظ ابن كثير عنه: ((إسناد صحيح)) [البداية والنهاية ص 98/ 7]، وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: ((وروى بن أبي شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان عن مالك الدار)) [ص 495/ 2].
ومن تأمل كلام الحافظين علم أنهما لم يصححا المتن بل صححا الإسناد، وهما على طريقة المتأخرين في تصحيح أحاديث فيمن مثل حال مالك الدار، قال الألباني: (( ... لأن هناك بعض المحدثين لا يعتمد عليهم في ذلك، لأنهم شذوا عن الجمهور فوثقوا المجهول، منهم ابن حبان ....
نعم يمكن أن تقبل روايته إذا روى عنه جمع من الثقات ولم يتبين في حديثه ما ينكر عليه، وعلى هذا عمل المتأخرين من الحفاظ كابن كثير والعراقي والعسقلاني وغيرهم .. )) [الروض الداني ص 17 – 18]، فعلى هذا الاعتبار صححا الإسناد ولم يصححا المتن كما هو واضح من عبارتهما، لأنهما يعلمان جيدا أن الصحيح هو ما رواه العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة، فلذلك اقتصرا على تصحيح الإسناد دون المتن، والله أعلم.
والآن نذكر علل هذا الإسناد فأولها الأعمش فهو أمام ثقة ثبت، ولكنه يدلس يسقط ضعيف بين ثقتين وفي جمع الطرق لم يصرح بالسماع، نعم ذكر الذهبي أنه تقبل عنعنة الأعمش عن أبي صالح لأنه أكثر عنه وطالة ملازمته له، وحكم الذهبي هذا على الغالب لا على كل حديث أو أثر بعينه، وكيف إذا عرفت أن البخاري أخرج هذا الأثر مقتصرا على قول عمر رضي الله عنه فهذا يزيد احتمال التدليس، والله تعالى أعلم.
وقد ثبت تدليس الأعمش عن أبي صالح قال العلائي: ((وروى الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة حديث الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن قال يحيى بن معين لم يسمع الأعمش هذا الحديث من أبي صالح)) [جامع التحصيل ص 189].
وهذا الحديث أخرجه أبو داود في السنن فقال: ((حدثنا أحمد بن حنبل ثنا محمد بن فضيل ثنا الأعمش عن رجل عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... الحديث)) [ص 143/ 1].
¥