أما عبارة الخليلي (متفق عليه) الذي يظهر لي أنها توثيق لمالك الدار، لأنه أطلقها على معن بن عيسى القزاز، وهو ثقة ثبت، ولكن المتقدمون لم يوثقوه كأبي حاتم الرازي.
وأما ابن سعد لا يعتد بتوثيقه فقد قال الحافظ ابن حجر في فق مقدمة فتح الباري في ترجمة نافع بن عمر الجمحي: ((احتج به الأئمة وقد قدمنا أن تضعيف بن سعد فيه نظر لاعتماده على الواقدي)) [447/ 1] وإن كانت عبارته ليس من اصطلاحات الجرح والتعديل.
وعلى التسليم بالاحتجاج بأقوال ابن سعد فهذه العبارة لا يستفاد منها جرحا أو تعديلا حيث أطلاقها على صلة بن سليمان [ص 315/ 7] كما أطلقها على مالك الدار، وأعني بالاطلاع إفرادها دون قوله قليل الحديث أو له أحاديث؛ وصلة هذا متهم بالكذاب، قال يحيى بن معين: ((كان ببغداد وكان يكذب)) وقال أبو حاتم: ((متروك الحديث أحاديثه عن أشعث منكرة)) [الجرح والتعديل ص 447/ 4]، وقال البخاري: ((ليس بذلك القوي)) [التاريخ الكبير ص 322/ 4]، وقال النسائي: ((متروك الحديث)) [الضعفاء والمتروكين ص 57].
وأطلقها أيضا على سرور بن المغيرة [ص 315/ 7]، وسرور متكلم فيه، تكلم في الأزدي كما قال الذهبي في ميزان الاعتدال [ص 172/ 3]، ووثقه ابن حبان فقال: ((وكان متقنا على قلة روايته)) [مشاهير علماء الأمصار ص 177].
وأطلقها على أبي لقمان الحضري [ص 463/ 7]، وهو ممن أدركوا أبا هريرة رضي الله عنه، وذكره ابن حبان في جملة الثقات، وقال معاوية بن صالح: ((مجهول)) [ميزان الاعتدال ص 417/ 7]. فمن خلال تلك النقول لا نستطيع أن حدد قصد ابن سعد بعبارته تلك هل يقصد تعديلا أو تجريحا أم يكون معروفا بحسب حاله.
فأما الذين لم يعرفوا مالك الدار فهم ابن أبي حاتم، والمنذري والهيثمي، وقال عنه الألباني مجهول الحال. فمالك الدار مختلف فيه بين موثق وبين مجهل لحاله.
العلة الرابعة مر أن البخاري أخرج الأثر في التاريخ الكبير فقال: ((مالك بن عياض الدار أن عمر قال في قحط يا رب لا آلو إلا ما عجزت عنه قاله علي عن محمد بن خازم عن أبي صالح عن مالك الدار)) [ص 304/ 7]، وقد سقط من الطبعة الأعمش، ولكن أثبتها ابن عساكر فقال: (( .. البخاري قال مالك بن عياض الدار أن عمر قال في قحط يا رب لا آلوا إلا ما عجزت عنه قاله علي يعني ابن المديني عن محمد بن خازم عن الأعمش عن أبي صالح عن مالك الدار)) [ص 492 – 493/ 56].
والراوي لهذا الأثر مختصرا هو علي بن المديني، والذين رووه مطولا أبو خيثمة زهير بن حرب، عبد الله بن محمد أبو بكر بن أبي شيبة، ويحيى بن يحيى، وهذا مخالفة تطعن بالأثر فكل هؤلاء ثقات فيحيى بن يحيى ثقة ثبت إمام، ابن أبي شيبة ثقة حافظ صاحب تصانيف، زهير بن حرب ثقة ثبت، وأما ابن المديني قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب: ثقة ثبت إمام أعلم أهل عصره بالحديث وعلله، حتى قال البخاري: ما استصغرت نفسي إلا عند علي بن المديني.
فهذا أعلم أهل عصر بعلل الحديث رواه مختصرا، والظاهر أنه رأى بالمطول علل فلذلك تنكب عنه، والله تعالى أعلم.
أما متن الحديث فهو منكر جدا يخالف ما جاءت به السنة النبوية المطهرة فالأصل عند القحط أن يستقوا.
ثم أن في هذا المتن طعن في أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه والصحابة، فكيف هم يجهلون سنة الاستسقاء في حال القحط حتى يأتي ذلك الرجل المبهم فيذهب لقبر البني صلى الله عليه وسلم ليطلب منه أن يستسقي للأمة؟! فسنة الاستسقاء لم تكن خافية على عمر رضي الله عنه فكيف تخفى عليه وهو القائل: ((اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا)) [صحيح البخاري ص 1360/ 3]، وكيف يجهل الصحابة سنة الاستسقاء وقد كان يخرج بهم النبي صلى الله عليه وسلم المصلى ليستسقي، فعن عباد بن تميم عن عمه قال: ((خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المصلى يستسقي واستقبل القبلة فصلى ركعتين وقلب رداءه))، فهذه السنة في القحط، لا الذهاب إلى قبره صلى الله عليه وسلم وطلب الاستسقاء منه ثم انتظار منام كي يستسقوا، فالقابل لهذا المتن لسان حاله يقول هذا الرجل أعلم وأحرص على المسلمين من خليفتهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه
¥