تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[تخريج نية المؤمن أبلغ من عمله]

ـ[عبيد الله المنصوري]ــــــــ[06 - 11 - 08, 10:04 ص]ـ

حديث ((نِيَّةُ المؤمِنِ أَبْلَغُ مِن عَمَلِهِ))، قد ورد من حديث جماعةٍ من الصحابة.

أولاً: حديث أنس.

أخرجه أبو الشيخ في ((الأمثال)) (52)، والقضاعي في ((مسند الشهاب)) (147) من طريق يوسف بن عطية، عن ثابت البناني، عن أنس أن النبي r قال: ((نِيَّةُ المؤمِنِ أَبْلَغُ مِن عَمَلِهِ)).

وهذا سند ضعيف جدًّا، فيوسف بن عطية ضعفه أبو زرعة وأبو حاتم والدارقطني، وتركه النسائي والدولابي، وقال البخاري: منكر الحديث.

وقد روى الحكيم الترمذي في ((نوادر الأصول)) (ق265/ 1) حديثًا من طريق يوسف بن عطية، عن ثابت، عن أنس، ثم قال عقبه: وكان ثابت إذا حدث بهذا الحديث يقول: بلغني أن رسول الله r كان يقول: ((نِيَّةُ المؤمِنِ أَبْلَغُ مِن عَمَلِهِ))، فجعله من قول ثابت.

وقد رواه البيهقي في ((الشعب)) (5/ 359 - 360) وأبو الشيخ - كما في

((الدر المنثور)) (1/ 193) - عن يوسف بسنده، ولم يذكر قول ثابت في آخره.

وله إسناد آخر.

قال البيهقي في ((الشعب)) (5/ 343): أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان، أنا أحمد بن عبيد الصفار، عن ثابت، عن أنس قال: قال رسول الله r : (( نِيَّةُ المؤمِنِ أَبْلَغُ مِن عَمَلِهِ)).

وهذا منقطعٌ فيما بين الصفار، وثابت البناني.

وقد خولف يوسف بن عطية.

خالفه جعفر بن سليمان الضبعي، فرواه عن ثابت من قوله.

أخرجه أبو نعيم في ((الحلية)) (2/ 326): حدثنا أبو محمد بن حيان، قال: ثنا الحسن بن هارون بن سليمان، قال: ثنا هارون بن عبدالله، قال: ثنا سيار، قال: ثنا جعفر، قال: سمعت ثابتا البناني يقول: نية المؤمن أبلغ من عمله؛ إن المؤمن ينوي أن يقوم الليل، ويصوم النهار، ويخرج من ماله، فلا تتابعه نفسه على ذلك، فنيته أبلغ من عمله.

وخولف هارون فيه.

فرواه علي بن مسلم الطوسي، فوراه عن سيار، عن جعفر، عن مالك بن دينار من قوله.

أخرجه عبد الله بن أحمد في ((زوائد المسند)) (ص 539) قال: حدثنا علي.

وهذا الاختلاف عندي من سيار بن حاتم، فإنه وإن روى عنه أحمد - وهو لا يروي إلا عن ثقة -، وذكره ابن حبان في ((الثقات))، قد ضعفه ابن المديني، وغمزه أبو أحمد الحاكم والأزدي، والله أعلم.

ثانيًا: حديث سهل بن سعد.

أخرجه الطبراني في ((الكبير)) (6/ رقم 5942) - وعنه أبو نعيم في ((الحلية)) (3/ 255) - من طريق حاتم بن عباد بن دينار الحرشي، عن يحيى بن قيس الكندي، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد مرفوعًا: نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ من عَمَلِهِ وَعَمَلُ الْمُنَافِقِ خَيْرٌ من نِيَّتِهِ وَكُلٌّ يَعْمَلُ على نِيَّتِهِ فإذا عَمِلَ الْمُؤْمِنُ عَمَلا نَارَ في قَلْبِهِ نُورٌ.

وحاتم بن عباد لم أجد له ترجمةً! ويحيى بن قيس الكندي سكت عنه البخاري وابن أبي حاتم، وذكره ابن حبان في ((الثقات)).

وقد توبع يحيى بن قيس، تابعه سليمان بن عمرو النخعي.

أخرجه الخطيب في ((التاريخ)) (9/ 273)، وسليمان هذا هو أبو داود الأعمى، كذَّبه أحمد، وقتيبة، وإسحاق، وابن معين!

وقد ضعفه العراقيُّ في ((المغني)).

ثالثًا: حديث النواس بن سمعان.

أخرجه القضاعي في ((مسند الشهاب)) (148): أخبرنا محمد بن أحمد بن الحارث الأصبهاني، أبنا ذو النون بن محمد الصائغ، ثنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري، ثنا محمد بن حمران القشيري، ثنا عثمان بن عمر الضبي، ثنا عثمان بن عبد الله الشامي، ثنا بقية، عن بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن النواس بن سمعان الكلابي، قال: قال رسول الله r ... فذكره.

وعثمان بن عبد الله متهمٌ، وبقية يدلس ويسوِّي، وفي السند إليه جماعة لم أعرفهم، ولم أجد من وثق أبا أحمد العسكري.

فهذا إسناد واهٍ، وقد ضعَّفه العراقي في ((المغني)).

رابعًا: حديث علي بن أبي طالب.

أخرجه ابن عبد البر في ((التمهيد)) (4/ 114) قال: حدثنا خلف بن القاسم، قال: حدثنا أبو طالب العباس بن أحمد بن سعيد بن مقاتل بن صالح مولى عبد الله بن جعفر، قال: حدثنا موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمد، قال: حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن حسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله r : (( نِيَّةُ المُؤْمِنِ خَيْرٌ مِن عَمَلِهِ، وَنِيَّةُ الفَاجِرِ شَرٌّ مِنَ عَمَلِهِ، وَكُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى نِيَّتِهِ)).

ومن فوق خلف بن القاسم إلى موسى الكاظم لم أهتدِ إليهم!

وقد قال الحافظ ابن رجب في ((أحكام الخواتيم)) (2/ 669 - رسائله):

((والنسخة المروية عن موسى عن آبائه باطلة)).

ولعل الآفة من الرواي عن موسى، والله أعلم.

خامسًا: حديث ابن عباس:

جاء في ترتيب ((مسند الربيع بن حبيب)) (رقم 1): قال أبو عمرو الربيع بن حبيب بن عمرو البصري: حدثني أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي، عن جابر بن زيد الأزدي، عن عبد الله بن عباس، عن النبي r قال: ((نِيَّةُ المُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ)).

وهذا لا يصح البتة، و ((مسند الربيع)) مختلقٌ؛ وضعه الإباضية آخرًا، والربيع وشيخه مختلقان لا وجود لهما؛ كما صرَّح بذلك جماعة من العلماء، والله تعالى أعلم.

فيظهر بهذا أن الحديث لا يصحُّ من كل طرقه، وأصح ما فيه - مع ضعفه - بلاغ ثابتٍ البنانيِّ. وقد ضعَّفه العراقيُّ، والحافظ في ((الفتح)) (4/ 219)، والشوكاني في ((الفوائد المجموعة)) (ص 113).

أما السخاوي فقد مال إلى تقويته بمجموع طرقه في ((المقاصد))، وما تقدم من التحقيق يردُّه، والله أعلم.

وقد روي من قوله وقول مالك بن دينار - كما مرَّ -، ومن قول الحسن، ويحيى بن أبي كثير.

راجع ((الزهد)) لأحمد (ص 473)، و ((الحلية)) (3/ 70)، والله الموفق.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير