فذكر الحديث كله، وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم خط عليه خطا وقال: لا تبرح منها، فذكر أن مثل العجاجة السوداء غشيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذعر ثلاث مرات، حتى إذا كان قريبا من الصبح، أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنمت؟ قلت: لا والله، ولقد هممت مرارا أن أستغيث بالناس حتى سمعتك تقرعهم بعصاك تقول: اجلسوا، قال: لوخرجت لم آمن أن يختطفك بعضهم، ثم قال: هل رأيت شيئا؟ قال: نعم رأيت رجالا سودا مستشعري ثياب بيض، قال: فذكره.
قلت: وهذا سند ضعيف، رجاله كلهم ثقات معروفون، غير عبد الله بن عمرو بن غيلان الثقفي، أورده ابن أبي حاتم (2/ 2/117) وقال:
روى عن جابر بن عبد الله، روى عنه قتادة وأبو بشر جعفر بن إياس.
ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، ومثله يورده ابن حبان في " الثقات "، ولست بطائله الآن حتى أتأكد من أنه أورده أولا. وقد ذكر الحافظ في ترجمة أبيه من " التهذيب " أنه كان من كبار رجال معاوية، وكان أميرا له على البصرة.
ثم رأيته في " الثقات " (7/ 51)، ذكره فيمن روى عن التابعين، فقال: يروي عن كعب، وعنه قتادة، وحقه أن يورده في التابعين لتصريحه في هذا الحديث أنه لقي ابن مسعود وسمع منه، وفيه أنه رواه عنه يحيى بن أبي كثير، فقد روى عنه ثلاثة من الثقات، فمثله يحسن بعضهم حديثه، ولا أقل من أن يستشهد به، فلعله لذلك لما ذكره ابن كثير في " تفسيره " (4/ 165) من طريق ابن جرير سكت عليه.
وذكره الزيلعي في " نصب الراية " (1/ 144 - 145) من رواية أبي نعيم في " دلائل النبوة " عن الطبراني بسنده إلى معاوية بن سلام عن زيد بن سلام أنه سمع أبا سلام يقول: حدثني عمرو بن غيلان الثقفي قال:
أتيت عبد الله بن مسعود فقلت له: حدثت أنك كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة وفد الجن ... الحديث، وعزاه الصنعاني في " السبل " وتبعه الشوكاني في " النيل " (1/ 85) لأبي عبد الله الحاكم في " دلائل النبوة " فإن عنى " دلائل النبوة " من " المستدرك " فليس فيه، والله أعلم.
ورواه الدارقطني في " سننه " (ص 29) من وجه آخر عن معاوية بن سلام به مختصرا إلا أنه قال: فلان بن غيلان وقال:
مجهول، قيل: اسمه عمرو، وقيل: عبد الله بن عمرو بن غيلان.
وبه أعله الزيلعي، فقال عقب رواية الطبراني:
وفي سنده رجل لم يسم، ولا يخفى أن هذا القول غير مستقيم بالنسبة لرواية الطبراني، فلوعزاه للدارقطني ثم ذكره عقبه لأصاب.
وللحديث طريق أخرى، يرويه أبو فزارة عن أبي زيد مولى عمرو بن حريث المخزومي عن عبد الله بن مسعود به، نحوه وفيه:
قد زودتهم الرجعة، وما وجدوا من روث وجدوه شعيرا، وما وجدوه عظم وجدوه كاسيا، أخرجه أحمد (رقم 3481)، وأبو زيد هذا قال الذهبي:
لا يعرف، قال البخاري في " الضعفاء ": لا يصح حديثه - يعني هذا - وقال أبو أحمد الحاكم: رجل مجهول، قلت: ما له سوى حديث واحد.
قلت: يعني هذا، وهو مخرج في " ضعيف أبي داود " (رقم 10) زيادة على ما هنا
وقد جاء مختصرا من طريق عبد الله بن الديلمي عن ابن مسعود قال:
قدم وفد من الجن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد! انه أمتك أن يستنجوا بعظم أوروثة أوحممة، فإن الله جعل لنا فيها رزقا، قال: فنهى النبي صلى الله عليه وسلم.
أخرجه أبو داود وغيره بسند صحيح، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " رقم (29) ومن طريق موسى بن علي بن رباح قال: سمعت أبي يقول: عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه ليلة الجن ومعه عظم حائل، وبعرة، وفحمة، فقال:
" لا تستنجين بشيء من هذا إذا خرجت إلى الخلاء ".
أخرجه أحمد (1/ 457) والدارقطني (1/ 56/7) والبيهقي (1/ 109 - 110) وأعلاه بعدم ثبوت سماع علي من ابن مسعود، ورده عليه ابن التركماني في " الجوهر النقي " فراجعه.
ورواه عبد الله بن صالح: حدثني موسى بن علي به أتم منه.
أخرجه الطبراني في " الأوسط " (9158 - بترقيمي) وقال:
لم يروعلي بن رباح عن ابن مسعود حديثا غير هذا.
قلت: وهو ثقة كابنه، فإن كان سمعه من ابن مسعود فهو صحيح من الوجه الأول.
وأما عبد الله بن صالح، ففيه ضعف، وبه أعله الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/ 210).
وبالجملة:
فالحديث مشهور عن ابن مسعود كما قال الحافظ في " التلخيص " (1/ 109)، فهو صحيح عنه قطعا، لكن في بعض طرقه ما ليس في البعض الآخر، وقد تبين من مجموع ما أخرجنا منها أن رواية مسلم المتقدمة عن داود بن أبي هند صحيحة بتمامها إلا قوله في حديث الترجمة: " علف لدوابكم " وجملة: " اسم الله " على وجهيها، لخلوها عن شاهد، واضطراب داود في ذلك وصلا وإرسالا. ومن أجل ذلك خرجته هنا، والله سبحانه وتعالى أعلم.