وتطاير شررها، ولكن علماءنا ماتوا والأحياء لم يرج منهم أمر ولا نهي؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون.ا. هـ.
رابعاً:
فهمت من عنوان مقالك أنك تريد تعليل المواقيت للصلاة، وماسبب وقوعها في هذه الأوقات، وتعليل كيفيات العبادات والحكمة في وقوعها على وجوهها المختلفة أمر فيه تفصيل.
وقبل ذلك لا بد لنا من تقرير أمر مهم ألا وهو أن من أسماء الله " الحكيم "، وقد ورد اسم " الحكيم " في القرآن أربعا وتسعين مرة، فالله لا يفعل شيئا عبثا لغير مصلحة وحكمة، بل أفعاله سبحانه وتعالى صادرة عن حكمة بالغة لأجلها فَعَلَ، كما هي ناشئة عن أسباب بها فَعَلَ.
والحكمة في اصطلاح الأصوليين هي المصلحة التي قصد الشارع من تشريع الحكم تحقيقها أو تكميلها، أوالمفسدة التي قصد الشارع بتشريع الحكم دفعها أو تقليلها. والناس في إثبات الحكمة لله طرفان ووسط.
1 - فطرف نفى الحكمة من فعل المفعولات وأمر المأمورات فقالوا: إن الله لا يخلق شيئا بحكمة ولا يأمر بشيء لحكمة، وإنما أثبتوا محض الإرادة، فيجوز أن يأمر الله بالشرك وينهى عن عبادته وحده، ويترتب عند هؤلاء على فعل الله حِكَم لكنها غير مقصودة بل هي مترتبة على الفعل وحاصله عقيبه، وهذا قول الأشاعرة.
2 – والطرف الثاني من أثبت الحكمة لله فقالوا: قد قام الدليل على أنه تعالى حكيم فلا يصح أن يفعل فعلا لا فائدة فيه فأوجبوا على الله بمقتضى هذه الحكمة التي أثبتوها أمورا ومنعوا أمورا لمخالفتها لمقتضى الحكمة، وقالوا: إن هذه الحكمة تعود إلى الغير ولا يعود إليه منها شيء، وهي صفة مخلوقة منفصلة عن الله، وهذا هو مذهب المعتزلة.
3 - والوسط وهو مذهب سلف الأمة هو إثبات الحكمة في أفعاله سبحانه وتعالى لأنه حكيم منزه عن العبث، ولكمال قدرته وحكمته ورحمته، فإن هذه الحكمة منها ما يعود إليه ويحبه ويرضاه، ومنها ما يعود إلى عباده، وهي صفة لله غير مخلوقة.
وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم يقرران أنه ليس في الشريعة حكم واحد إلا وله معنى وحكمة، يعقله من يعقله، ويخفى على من خفي عليه. وهذه الحكمة يعلمها الله على وجه التفصيل، وقد يُعلم بعض عباده من ذلك ما يَعلمه إياه.
ولذلك قال أهل العلم: إن ما شرعه الله إن ظهرت لنا حكمته قلنا: إنه معقول المعنى، وإلا قلنا إنه تعبدي.
وبعد هذا التقرير المهم في مسألة الحكمة في فعل الله للمفعولات وأمره بالمأمورات نأتي على الحكمة والسبب في جعل المواقيت للصلاة في أوقات معينة، ولكن ليس عن طريق الحديث الذي وضعته هنا، وإنما من كلام علماء الأمة ممن أطلعهم الله على الحكمة في ذلك.
من الحكم في جعل المواقيت للصلاة في هذه الأوقات:
أولا: امتثال الأمر الرباني في إيقاع هذه الصلوات في أوقاتها المحددة لأنه جاء من عند الله. والعبد كما أنه محتاج إلى إدراك أسرار التشريع ليزداد يقيناً بحكمة الشارع، وعظمة هذا الدين، فإنه محتاج إلى التسليم بما يعجز عن إدراكه ليختبر صدق إيمانه، وصحة استسلامه لله، باعتباره عبداً ضعيفاً عاجزاً عن إدراك الكل. وهذا فرق ما بين العابد والمكابر. وهذا الأمر ليس خاصا بمواقيت الصلاة بل في سائر العبادات والمعاملات.
ثانيا: يقول الشيخ ابن عثيمين في " مقدمة رسالة أحكام مواقيت الصلاة ": فإن الله تعالى فرض على عباده خمس صلوات في اليوم والليلة مؤقتة بأوقات اقتضتها حكمة الله تعالى ليكون العبد على صلة بربه تعالى في هذه الصلوات مدة هذه الأوقات كلها فهي للقلب بمنزلة الماء للشجرة تُسقى به وقتاً فوقت، لا دفعة واحدة ثم ينقطع عنها.
ومن الحكمة في تفريق هذه الصلوات في تلك الأوقات أن لا يحصل الملل والثقل على العبد إذا أداها كلها في وقت واحد، فتبارك الله تعالى أحكم الحاكمين ".ا. هـ.
فمن الحكم عدم إيقاع الصلوات دفعة واحدة لتكون الأوقات بمثابة الصلة بين العبد وربه، فلو فعلها مرة واحدة لانقطعت صلته بربه سائر اليوم، وكذلك عدم الملل لو أداها كلها مرة واحدة.
ثالثا: قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – في " الشرح الممتع " (2/ 143 – 144): فإن قيل: ما الحكمة في جعلها في هذه الأوقات؟
فالجواب:
¥