تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأيد الحافظ أبو زرعة العراقي في " طرح التثريب " ج 7 ص240 هذا القول في صحيح البخاري وسنن أبي داود والترمذي عن السائب بن يزيد قال: سنن الترمذي الجهاد (1718) ,سنن أبو داود الجهاد (2779) ,مسند أحمد بن حنبل (3/ 449). لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تبوك خرج الناس يتلقونه إلى ثنية الوداع.

قال أبو زرعة وهذا صريح في أنها من جهة الشام قال: " ولهذا لما نقل والدي - رحمه الله - في شرح الترمذي كلام ابن بطال رأى في ذلك قال: إنه وهم قال: وكلام ابن عائشة معضل لا تقوم به حجة " أ. هـ.

قلت - القائل إسماعيل الأنصاري -: مما جاء بصدد كون هذا النشيد إثر قدوم النبي - صلى الله عليه وسلم - من بعض غزواته رواه بن حبان في صحيحه قال كما في " موارد الظمآن " وزوائد ابن حبان " ص 493 - 494 أخبرنا محمد بن اسحاق بن خزيمة حدثنا زياد بن أيوب حدثنا أبو تميلة يحيى بن واضح حدثني الحسين بن واقد حدثنا عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: سنن الترمذي المناقب (3690) ,مسند أحمد بن حنبل (5/ 356). رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بعض مغازيه فجاءت جارية سوداء فقالت: يا رسول الله إني نذرت إن ردك الله سالما أن أضرب على رأسك بالدف. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن نذرت فافعلي وإلا فلا فقالت: إني كنت نذرت. فقعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وضربت بالدف وقالت:

أشرق البدر علينا من ثنيات الوداع

وجب الشكر علينا ما دعا لله داع

وقد سلك المؤيدون للقول الأول في الإجابة عما أورده الإمام ابن القيم والحافظ ولي الدين العراقي المسالك التالية:

1 - ما ذكره العلامة الشيخ حسين محمد بن حسين الديار بكري في الجزء الأول من تاريخ " الخميس في أحوال أنفس نفيس " فقد قال إثر كلامهما ص 342 (لكن قال زين الدين العراقي - أي والد ولي الدين -: يحتمل أن تكون التثنية التي من كل جهة يصل إليها المشيعون يسمونها ثنية الوداع. انتهى. قال مؤلف الكتاب - يعني الديار نفسه -: يشبه أن يكون هذا هو الحق ويؤيده جمع الثنيات إذ لو كان المراد بها الموضع الذي هو من جهة الشام لم يجمع ولا مانع من تعدد وقوع هذا الشعر عند قدومه - عليه الصلاة والسلام - من مكة ومرة عند قدومه من تبوك، فلا ينافي ما في صحيح البخاري وغيره - أي الذي استدل به العراقي وقد تقدم - ولا ما قاله " ابن القيم " أ. هـ. وقد نقله عنه الزرقاني في شرح المواهب اللدنية ج 1 ص300 وصرح في

(الجزء رقم: 3، الصفحة رقم: 302)

الجزء الثالث ص 82 بما نصه " لا مانع من تعدد وقوع هذا الشعر مرة عند الهجرة ومرة عند قدومه من تبوك فلا يحكم بغلط ابن عائشة لأنه ثقة " أ. هـ.

2 - أن كون ثنية الوداع شمال المدينة لا يمنع كون ذلك النشيد عند مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - إياها للهجرة لأنه - صلى الله عليه وسلم - ركب ناقته وأرخى لها زمامها وقال: دعوها فإنها مأمورة ومر بدور الأنصار حتى مر ببني ساعدة ودارهم في شمال المدينة قرب ثنية الوداع فلم يدخل باطن المدينة إلا من تلك الناحية حتى أتى منزله بها، وقد عرج النبي - صلى الله عليه وسلم - في رجوعه من بدر إلى ثنية الوداع كما في مغازي ابن عقبة أنه - صلى الله عليه وسلم - سلك حين خرج إلى بدر حتى ثقب بني دينار ورجع حين رجع من ثنية الوداع. وهذا جواب نور الدين علي بن أحمد السمهودي في " وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى " ج 4 ص 1170 عن كلام ابن القيم في زاد المعاد المتقدم واستحسنه الزرقاني في شرح المواهب اللدنية ج 1 ص 360 واعتمد عليه في نفي الوهم عن ابن عائشة الذي عناه ابن القيم في عبارة " زاد المعاد " ببعض الرواة، قال الزرقاني: " هو جواب حسن وإن كان شيخنا البابلي - رحمه الله - يستبعده بأنه يلزم عليه أن يمر ويرجع على قباء ثانيا فلا بعد فيه ولو لزم ذلك لإرخائه زمام الناقة وكونها مأمورة ".

3 - مسلك المجد الفيروزابادي فإنه قال بعد أن نقل عن أهل السير والتاريخ وأصحاب المسالك ثنية الوداع من جهة مكة قال: " وأهل المدينة اليوم يظنونها من جهة الشام ". وكأنهم اعتمدوا قول ابن قيم الجوزية في هديه فإنه قال: " من جهة الشام ثنيات الوداع ولا يطأها القادم من مكة البتة، ووجه الجمع أن كلتا الثنيتين تسمين بثنية الوداع " أ. هـ. كلام المجد وقد تعقبه السمهودي في " وفاء الوفاء " ج 4 ص 1172 بقوله: " والظاهر أن مستند من جعلها من جهة مكة ما سبق من قول النسوة وأن ذلك عند القدوم من الهجرة مع الغفلة عما قدمناه من توجيهه وهو في الحقيقة حجة لمن ذكرها في جهة الشام، ولم أر لثنية الوداع ذكرا في سفر من الأسفار التي بجهة مكة " ثم قال السمهودي: " وإن سلم الجمع الذي ذكره المجد من الثنيتين يسمى بذلك، فالمراد من الأخبار المتقدمة كلها الموضع المتقدم بيانه في شمال المدينة، وكذلك من حديث السباق في أمد الخيل المضمرة أنه من الغامة أو الحفيا إلى ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق لانطباق المسافة المذكورة في ذلك على الموضع المتقدم كما سبق في مسجد بني زريق كما سيأتي في الحفيا، مع أن ما بين بني زريق وثنية المدرج لا يصلح للسباق أصلا وهو على نحو ضعفي ما ذكروه في المسافة " أ. هـ. كلام السمهودي.

هذه مسالك العلماء في وقت إنشاد ذلك النشيد العظيم أضعها بين يدي القارئ مقرونا كل مسلك منها بما يحتاج إليه من البحث، وأرجو أن يكون في ذلك ما يمكنه من ترجيح ما يرى ترجيحه حسب الأدلة، والله ولي التوفيق وهو حسبي ونعم الوكيل

"نشر بمجلة البحوث الاسلامية العدد الثالث 1397

انتهت المقالة فما هو تعليقكم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير