[تصيح الحاكم للأحاديث وحكمه على الرجال.]
ـ[أبومحمد الكويتي]ــــــــ[31 - 12 - 08, 01:28 م]ـ
أحببت ان اقتطع من كتاب (المنهل الروي) لابن جماعة بعض الكلام في الحاكم صاحب المستدرك وذلك لأمرين
الأول: التبيه على قيمة كتاب ابن جماعة في هذا الباب. فقد احزنني كلام بعض الأخوة في هذا المختصر مع انني على يقين أنه لم يمعن النظر في الكتاب وانما شيئا قيل فردده؟ وهذه مشكلة اكثر الإخوة الحكم من دون تعقل؟ ولعله اخذ بكلام الشيخ عبدالباري السلفي في مقدمة الإرشاد ـ وقد أجبت على مقولته في تحقيقي للمنهل وهو على وصول للأسواق ـ مع انني اشك في وقوف الأخ عليه،،، عموما هذا السبب الأول
الثاني: انني قد كتبت بحثا قديما ايام الدراسة والحماسة في الجامعة الإسلامية ـ وما اجمل تلك الأيام واليالي ـ بحثا بعنوان (الحاكم ومنهجه في الحكم على الأحاديث والرجال خارج المستدرك) لكنه بحاجه لإعادة النظر وتنقيحه ولعله يتيسر لي الوقت لذلك.
قال ابن جماعة في (المنهل الروي) (ص 70): ((
أما ((مستدرك الحاكم)): فقد قال ابن الصلاح -ما معناه-: ((إن فيه تساهلًا، وما انفرد بتصحيحه لا يجزم به، بل يجعل حسنًا، إلا أن يظهر ضعفه لعلة أو غيرها (1)، ويقاربه صحيح أبي حاتم بن حبان البستي)) (2). قلت: وفي قوله: ((يجعل حسنًا)) نظر؛ بل ينبغي أن يتبع في أصله وسنده وسلامته، ثم يحكم عليه بحاله (3).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
(1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية في [قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (ص170، 171)]: ((أهل العلم بالحديث لا يعتمدون على مجرد تصحيح الحاكم، وإن كان غالب ما يصححه فهو صحيح ... وليس فيمن يصحح الحديث أضعف من تصحيحه)).
وقال ابن القيم في [الفروسية (ص245، 276)]: ((لا يعبأ الحفاظ أطباء علل الحديث بتصحيح الحاكم شيئًا، ولا يرفعون به رأسًا البتة، بل لا يعدل تصحيحه ولا يدل على حسن الحديث، بل يصحح أشياء موضوعة بلا شك عند أهل العلم بالحديث، وإن كان من لا علم له بالحديث لا يعرف ذلك، فليس بمعيار على سنة رسول الله (ص)، ولا يعبأ أهل الحديث به شيئًا، والحاكم نفسه يصحح أحاديث جماعة، وقد أخبر في كتاب ((المدخل له)) أن لا يحتج بهم، وأطلق الكذب على بعضهم، هذا مع أن مستند تصحيحه ظاهر سنده، وأن رواته ثقات)).
وقال: ((تصحيحه كالقبض على الماء، وقد عهد منه تصحيح الموضوعات، وله في ((مستدركه)) ما شاء الله من الأحاديث الموضوعة قد صححها ... وبالجملة فتصحيح الحاكم لا يستفاد منه حسن الحديث البتة، فضلًا عن صحته)).
وقال الذهبي في [السير (17/ 175)]: ((في ((المستدرك)) شيء كثير على شرطهما، وشيء كثير على شرط أحدهما، ولعل مجموع ذلك ثلث الكتاب، بل أقل، فإن في كثير من ذلك أحاديث في الظاهر على شرط أحدهما أو كليهما، وفي الباطن لها علل خفية مؤثرة، وقطعة من الكتاب إسنادها صالح وحسن وجيد، وذلك نحو ربعه، وباقي الكتاب مناكير وعجائب، وفي غضون ذلك أحاديث نحو المائة يشهد القلب ببطلانها، كنت قد أفردت منها جزءًا)).
وقال ابن حجر: ((وإنما وقع للحاكم التساهل؛ لأنه سوَّر الكتاب لينقحه فأعجلته المنية ... وقد وجدت في قريب نصف الجزء الثاني من تجزئة ستة من ((المستدرك)): إلى هنا انتهى إملاء الحاكم ... والتساهل في القدر المُمْلَى قليل جدًّا بالنسبة إلى ما بعده)) [التدريب (1/ 145)].
وقال أيضًا في [النكت (1/ 314 - 318)]: ((ينقسم ((المستدرك)) أقسامًا، كل قسم منها يمكن تقسيمه:
القسم الأول: أن يكون إسناد الحديث الذي يخرجه محتجًّا برواته في ((الصحيحين)) أو أحدهما، على صورة الاجتماع، سالمًا من العلل.
ولا يوجد في ((المستدرك)) حديث بهذه الشروط لم يخرجا له نظيرًا أو أصلًا، إلا القليل.
نعم، فيه جملة مستكثرة بهذه الشروط، لكنها مما أخرجها الشيخان أو أحدهما، استدركها الحاكم واهمًا في ذلك، ظانًّا أنهما لم يخرجاها.
القسم الثاني: أن يكون إسناد الحديث قد أخرجا لجميع رواته، لا على سبيل الاحتجاج، بل في الشواهد والمتابعات والتعاليق، أو مقرونًا بغيره، ويلتحق بذلك ما إذا أخرجا لرجل، وتجنبا ما تفرد به، أو خالف به.
وهذا القسم هو عمدة الكتاب.
القسم الثالث: أن يكون الإسناد لم يخرجا له، لا في الاحتجاج ولا في المتابعات.
وهذا قد أكثر منه الحاكم، فيخرج أحاديث عن خلق ليسوا في الكتابين ويصححها، لكن لا يدعي أنها على شرط واحد منهما، وربما ادعى ذلك على سبيل الوهم، وكثير منها يعلق القول بصحتها على سلامتها من بعض رواتها.
ومن هنا دخلت الآفة كثيرًا فيما صححه، وقل أن تجد في هذا القسم حديثًا يلتحق بدرجة الصحيح، فضلًا عن أن يرتفع إلى درجة الشيخين)). انتهى باختصار.
(2) قصد ابن الصلاح هنا: أن ابن حبان مقارب للحكم في التساهل؛ لا أن ((المستدرك)) أرجح من صحيح ابن حبان، كما فهمه البلقيني، واعترض به على ابن الصلاح، بل إن الحاكم أشد تساهلًا منه.
قال الحازمي: ((ابن حبان أمكن في الحديث من الحاكم)).
وكذا رجح تصحيح ابن حبان على تصحيح الحاكم: ابن تيمية، والزيلعي، وابن كثير، والعراقي، وابن حجر، والسخاوي، والسيوطي وغيرهم.
(3) وهذا هو الصحيح، فلا بد من بحث كل سند لمعرفة رواته وسلامة الحديث من أي علة تطرأ عليه، وقد رجح كلام المصنف ونقله العراقي في ((التقييد))، والسخاوي في ((فتح المغيث))، والسيوطي في ((التدريب)) وغيرهم.
والله اعلم