وأقول: هو خير من شيخه الحجاج بن تميم؛ كما عرفت من قول الذهبي فيه،
ولا سيما وقد توبع من قبل يوسف بن عدي: ثنا الحجاج بن تميم؛ بإسناده المتقدم
عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ قال:
كنت عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعنده علي، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"يا علي! سيكون في أمتي قوم ينتحلون حبنا أهل البيت، لهم نبز يسمون
الرافضة، فاقتلوهم ... " الحديث.
أخرجه الطبراني برقم (12998)، وعنه أبو نعيم أيضاً، ومن طريقه ابن الجوزي
برقم (257) وقال:
"وهذا لا يصح، وقد ذكرنا أن الحجاج لا يتابع على حديثه ".
وأما الهيثمي فقال:
"روإه الطبراني، وإسناده حسن"!
كذا قال، وهو من تساهله الذي أشرت إليه آنفاً، وخلاصته: أنه اعتمد توثيق
ابن حبان للحجاج هذا، وأعرض عن تجريح من جرحه، مع أنه لا يخفى عليه
تساهل ابن حبان في التوثيق. ولذلك هو نفسه يشير إلى ذلك أحياناً بقوله فيمن
وثقه ابن حبان:
"وثق" أو: "وثقوا"؛ كما تقدم نقله عنه آنفاً. وقد عرفت مما سبق قول الذهبي
فيه:
"واهٍ ". وسبقه إلى مثله الإمام النسائي، فقال فيه:
"ليس بثقة".
قلت: فالإسناد ضعيف جداً. وأحسن حالأ منه حديث علي رضي الله عنه
قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"سيأتي بعدي قوم لهم نبز يقال لهم: الرافضة، فإذا لقيتموهم؛ فاقتلوهم؛
فإنهم مشركون ".
قلت: يا رسول الله! ما العلامة فيهم؟ قال:
"يقرظونك بما ليس فيك، ويطعنون على أصحابي ويشتمونهم ".
أخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" (2/ 474/979) من طريق أبي سعيد
محمد بن أسعد التغلبي: حدثنا عبثر بن القاسم أبو زبيد عن حصين بن
عبدالرحمن عن أبي عبدالرحمن السلمي عن علي ... به.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات غير التغلبي هذا؛ فقال أبو زرعة والعقيلي:
"منكر الحديث ".
وقد روي من طريق أخرى واهية عن علي مختصراً بلفظ:
لايكون قوم نبزهم الرافضة يرفضون الدين ".
أخرجه البخاري في "التاريخ، (1/ 1/279 - 280)، وابن أبي عاصم أيضاً
رقم (978)، وعبدالله بن أحمد في "زوائد المسند" (1/ 103)، ومن طريقه ابن
الجوزي برقم (252)، والبزار في "مسنده" (2/ 138/499 - مكتبة العلوم)، وابن
عدي في "الكامل " (6/ 66)، والبيهقي في "دلائل النبوة" (6/ 547) كلهم من
طريق أبي عقيل يحيى بن المتوكل عن كثير النوّاء عن إبراهيم بن الحسن بن
الحسن بن علي بن أبي طالب - أخي عبدالله بن الحسن الهاشمي - عن أبيه عن
جده عن علي ... به. وقال ابن الجوزي:
"لا يصح، يحيى بن المتوكل قال فيه أحمد: - واهي الحديث. وقال ابن
معين: ليس بشيء. وكثير النواء ضعفه النسائي ".
قلت: وفي ترجمته أورده ابن عدي، وروى عن السعدي أنه قال:
" كثير النواء متروك ". وبه أعله الهيثمي فقال في "المجمع" (10/ 22):
"رواه عبدالله، والبزار، وفيه كثير بن إسماعيل النواء؛ وهو ضعيف ".
قلت: وهذا تقصير؛ لأنه يوهم أنه ليس فيه من هو أولى بالإعلال به منه،
وليس كذلك، فإن فيه عندهما أيضاً يحيى بن المتوكل - كما رأيت في التخريج -،
وهو أشد ضعفاً من كثير؛ كما يشعر به قول أحمد المذكور، ومثله قول ابن حبان
في "الضعفاء" (3/ 116):
"منكر الحديث؛ ينفرد بأشياء ليس لها أصول، لا يرتاب الممعن في الصناعة
أنها معمولة ".
قلت: لكنه لم يتفرد به خلافاً لما أشار إليه ابن عدي عوله:
"وهذا يعرف بأبي عقيل"، فقد تابعه أبو سهل قال: أخبرني كثير النواء ...
به، ولفظه:
"يخرج قبل قيام الساعة قوم يقال لهم: الرافضة؛ برءاء من الإسلام ".
أخرجه البيهقي.
وأبو سهل هذا هو: محمد بن عمرو الأنصاري الواقفي، وهو في الضعف مثل
أبي عقيل؛ فقد اتفقوا على تضعيفه، بل كان يحيى بن سعيد يضعفه جداً. ثم
تناقض فيه ابن حبان فذكره في "الثقات" أيضاً (7/ 439) وقال:
" يخطئ"!
هذا، وقد جعل المعلق على "مسند أبي يعلى" حديث كثير النواء شاهداً
لحديث الترجمة، وأرى أنه لا يصلح للشهادة؛ لأنه مختصر ليس فيه:
"فاقتلوهم فإنهم مشركون ".
وقد رويت هذه الزيادة من أوجه أخر كلها ضعيفة - كما قال البيهقي -
وبعضها أشد ضعفاً من بعض، وقد كشف ابن الجوزي عن عللها، ثم الهيثمي.
¥