تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأشيرُ هنا إلى أنه يجب التفريق بين ما يترتّب عليه حكمٌ فقهيٌ من تلك (الروايات التاريخية والسير) وبين ما ليس كذلك كما في مقال أخينا محمد الأمين .. وقد أشارَ إلى هذا الملمَح المهِمِ شيخُنا عبدُ الكريم الخضير في كتابه " الحديث الضعيف " وذكر لذلك مثالاً .. فليُراجع .. فليس الكتابُ قريباً مني الآن ..

ـ[الأجودي]ــــــــ[12 - 04 - 02, 11:45 م]ـ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

سبق أن رأيت كلاما للشيخ ناصر الفهد حول هذا المضوع في رد له على من ضعف حكاية الجعد بن درهم، وبحثت عنه فوجدته في موقعه في رده على المالكي وأنقله للفائدة

الأصل السابع:

أن الأصل في الروايات التاريخية كالأصل في روايات بني إسرائيل

اعلم أن الروايات التاريخية على ثلاثة أقسام:

القسم الأول: ما ثبت بإسناد صحيح وليس فيه محذور شرعي، فهذا نشره جائز، وهذا أمر متفق عليه.

القسم الثاني: ما روي بإسناد صحيح أو ضعيف وفي نشره محذور شرعي كالوقيعة في بعض الصحابة أو ما جرى بينهم من الفتن ونحو ذلك، فهذا لا يجوز نشره، وقد ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: حفظت من رسول الله e وعاءين؛ فأما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم.

وإنما بث ما يلزمه شرعاً بثه ولا يجوز كتمانه وهو ما يتعلق بالأحكام التي تلزم المكلفين، وأما الوعاء الثاني فهو أحاديث الفتن، وقد ذكر خطورة رواية ذلك رضي الله عنه في زمنه – وهو خير القرون – فكيف بعده؟؟!!.

القسم الثالث: ما لم يثبت بإسناد صحيح وليس في نشره محذور شرعي فهذا الأمر فيه واسع ويجوز نشره، والأصل في ذلك ما ثبت في الصحيح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي e قال (حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج).

والأخبار عن بني إسرائيل – كما قسمها أهل العلم وكما تدل عليه النصوص - على ثلاثة أقسام:

الأول: ما شهد الشرع بصدقه، فهذا نصدقه.

والثاني: ما شهد الشرع بكذبه، فهذا نرده ولا نقبله.

والثالث: ما هو مسكوت عنه فلا يشهد بصدقه أو كذبه، فتجوز حكايته والاستئناس به.

والقول في تاريخ المسلمين كالقول في تاريخ بني إسرائيل، بل هو أولى، فإن أخبار بني إسرائيل أكثرها غير مسند، وبيننا وبينهم من المفاوز ما هو معروف، وليسوا من ملتنا، فلأن يكون هذا الحكم ثابتاً في أخبار المسلمين من باب أولى.

والأخبار التاريخية لا تعامل معاملة الأحاديث النبوية في التصحيح والتضعيف لأمور:

الأمر الأول: أن أحاديث الأحكام قد تكفل الله سبحانه وتعالى بحفظها – لأنها من حفظ دينه – فإذا روي حديث منها بسند ضعيف ونحوه فإننا نجزم بعدم ثبوته لذلك، أما الأخبار التاريخية فلم يتكفل الله تعالى بحفظها فلا يعني عدم وروده بسند صحيح أن الخبر لم يصح.

الأمر الثاني: أن الرسول e قال (إذا حدثكم بنو إسرائيل فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم)، فقد نهى عن تكذيبهم، مع أنك لو طبقت منهج المحدثين على الأخبار الإسرائيلية لانتهيت إلى ضعفها بل وسقوطها من طريق الأسانيد!!.

الأمر الثالث: أن هناك أموراً تاريخية كثيرة جداً مشهورة في الكتب والدواوين، وأمرها معلوم بالتواتر عند الناس، ولو أردت أن تثبتها من ناحية الإسناد ما استطعت، لأن أهل الحفظ والإتقان والرواية والضبط كانوا ينصرفون في غالب روايتهم إلى الأحاديث النبوية بخلاف الأخبار التاريخية، فلا يعني عدم روايتهم لها عدم ثبوتها في نفس الأمر.

الأمر الرابع: أن أساطين المحدثين قد فرقوا بين الأمرين، فتراهم يشددون في أحاديث الأحكام ونحوها، بخلاف الروايات التاريخية؛ فإنك تراهم يذكرونها ولا يتعقبونها بشيء.

إذا فهمت هذا الأصل جيداً، تبيّن لك جهل بعض الأغمار في هذا الزمن – كالمالكي – الذي عكس القضية؛ فوسّع ما ضيّقه الشرع، وضيّق ما وسّعه:

فأما توسيعه ما أمر الشرع بتضييقه:

فإنه قام بإثارة ما حصل بين الصحابة ابتغاء الفتنة، فطعن في بعضهم، وغض من آخرين، ونشر شراً عريضاً، وقد أمر الشرع أن يسكت عن ذلك، وذهب أهل السنة والجماعة إلى أن ما شجر بينهم يطوى ولا يروى، وقد سبق تفصيل ذلك في الأصول السابقة.

وأما تضييقه ما وسّعه الشرع:

فإنه قام بالتدقيق في أخبار تاريخية لا يترتب على ذكرها منكر، ولا حكم تكليفي، ولا فساد، ولا إفساد، بدعوى إنقاذ التاريخ، كدعواه – مثلاً – أن (القعقاع بن عمرو) أسطورة لا وجود لها!!.

فإذا قرنت هذا الجاهل وأمثاله بالأئمة الأخيار من أهل السنة والجماعة رضوان الله عليهم علمت صحة أصولهم، ودقة نظرهم، وصحة فهومهم، ومدى علمهم، وأن مما ترتفع به مرتبتهم ظهور أمثال هؤلاء الدجاجلة، فإن بحوث هؤلاء ورسائلهم تزيدنا يقيناً بصحة أصول أولئك.

حيث لم يتكلم أهل السنة والجماعة في أمور التاريخ إلا على وجه واحد وهو ما شهد الشرع بكذبه أو أمر بتركه، فإن كلامهم كثير في الأمر بترك الخوض فيما شجر بين الصحابة والإعراض عنه وعدم إثارته، وتركوا ما سواه لأن الأمر فيه واسع ولا يترتب عليه أحكام شرعية، واشتغلوا بما هم مكلفون به من أحاديث الأحكام ونحوها.

فرحمهم الله تعالى ورضي عنهم وحشرنا في زمرتهم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،،،،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير