ولعل وجه ذلك أن الأصل في الثقة عدم التدليس، فلا يحكم به عليه إلا بدليل يدل على ذلك، والله ولي التوفيق (حاشية البلوغ 2/ 225).
وقال الشيخ -رحمه الله- في عنعنة قتادة وبقية بن الوليد وهما ثقتان مدلسان:
قتادة مدلس، ولكن الأصل عدم التدليس إلا إذا دل الدليل أنه دلس، وكذا بقية (أقوال سماحة الشيخ في الرجال، للسنيد، ص20).
وقال الشيخ -رحمه الله- في أبي إسحاق السبيعي:
يدلس بعض الشيء، ولكن الأصل السلامة.
قلت: وللشيخ مثل ذلك في هذا الباب الكثير.
الثاني: كل حديث معل بالشذوذ والمخالفة لا تقبل العنعنة فيه:
إذا وجد الشيخ في رواية شذوذًا أو مخالفةً، فإنه يردها ولا يقبلها ما دامت معنعنة من مدلس.
قال الشيخ -تعليقًا على حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه: نذرت أختى أن تمشي إلى بيت الله حافية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لتمشي ولتركب» -:
قال الشيخ: وفي المسند بسند قوي عن كريب عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن امرأة قالت: يا رسول الله! إن أختي نذرت أن تحج ماشية، قال: «إن الله لا يصنع بشقاء أختك شيئًا لتخرج راكبة، ولتكفر عن يمينها».
وفيه من طريق قتادة عن عكرمة عن ابن عباس أن أخت عقبة بن عامر نذرت أن تحج ماشية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله غني عن نذر أختك لتركب ولتُهدِ بدنه».
قال: وسنده جيد لولا عنعنة قتادة، ورواية كفارة اليمين أثبت من رواية قتادة عن عكرمة وأوفق للأصول المعتبرة في الأيمان والنذور () (حاشية البلوغ 2/ 745).
قال الشيخ -على حديث مالك بن هبيرة في الصلاة ثلاثة صفوف على الميت، وعمل مالك في تحريه إذا قل أهل الجنازة أن يجعلهم ثلاثة صفوف-:
قال -رحمه الله-: عمل مالك بن هبيرة في سنده ضعف، وهو مخالف للأحاديث الصحيحة الدالة على وجوب إكمال الصف الأول فالأول في الصلاة (مجموع الفتاوى 13/ 139).
قلت: وهذا الحديث فيه ابن إسحاق وهو مدلس، والرواية معنعنة، وهذا الحديث لم يخرجه الشيخان، وإنما رواه أبو داود وغيره، وهو كما قرر الشيخ أنه مخالف للأحاديث الصحيحة.
قلت: وأمثلة هذا القسم كثيرة جدًا في كلام شيخنا -رحمه الله-.
الثالث: إذا لم تكن الرواية في الصحيحين ولم تكن شاذة أو مخالفة فإن عنعنة المدلس المنفرد بها تعتبر إذا وجد ما يشهد لها:
قال الشيخ -تعليقًا على حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن امرأة قالت: يا رسول الله! إن ابني هذا كان بطني له وعاء ... فقال: أنت أحق به ما لم تنكحي-.
قال -رحمه الله-: في إسناده عند أحمد: ابن جريج وقد عنعن وهو مدلس وفي إسناده عند أبي داود الوليد بن مسلم الدمشقي وهو مدلس أيضًا وقد عنعن، وبقية رجالهما ثقات، وهو بسنديه من قبيل الحسن لأن أحد السندين يشد الآخر ويقويه، والله ولي التوفيق (حاشية البلوغ 2/ 647).
قلت: وكلام شيخنا في هذا الباب كثير جدًا.
هذا ما تهيأ كتابته في هذه النُبْذة في منهج شيخنا عبدالعزيز بن باز في العلل وبالأخص علل المتون وبعض مسائل علوم الحديث.
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه
عبدالوهاب بن عبدالعزيز بن زيد
الرياض 3/ 3/1425هـ
ـ[آل حسين]ــــــــ[29 - 06 - 04, 10:47 م]ـ
السلام عليكم
بارك الله فيك ياأخي وجزاك الله خيراً على هذا الموضوع الجيد
وياليت يثبت موضوع عن منهج هذا الإمام العظيم رحمه الله تعالى
ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[30 - 06 - 04, 12:06 م]ـ
بارك الله فيكم ونفع بكم، وجزى الله خيرا الشيخ عبدالوهاب بن عبدالعزيز بن زيد آل زيد.
ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[30 - 06 - 04, 12:34 م]ـ
جزاكم الله خيرا
ولأخينا الشيخ عبد الله المعدي رسالة ماجستير عن:
الإمام عبد العزيز بن باز وجهوده في الحديث.
شارف على الإنتهاء منها إن لم يكن إنتهى الآن.
ـ[الرايه]ــــــــ[30 - 06 - 04, 04:49 م]ـ
جزاك الله خيرا لما كتبت
وننتظر المزيد منك عن الشيخين
ابن باز و عبدالوهاب الزيد
ـ[آل نظيف]ــــــــ[17 - 12 - 04, 12:22 ص]ـ
خرج حديثاً في الأسواق كتاب حاشية الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله على كتاب بلوغ المرام
من إعداد الشيخ عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن قاسم حفظه الله تعالى
ويظهر فيه جليلاً مكانة الشيخ عبد العزيز بن باز في علل الحديث وطول باعه وسعة إطلاعه وتأثره بمنهج المتقدمين في نقد الأسانيد وتعليل المتون.
ـ[المسيطير]ــــــــ[13 - 05 - 05, 09:54 م]ـ
جزى الله الشيخ عبدالوهاب بن عبدالعزيز بن زيد آل زيد خير الجزاء، وبارك الله له في علمه وعمره وعمله وأهله وذريته وماله ورزقه من حيث لا يحتسب.
والشيخ عبدالوهاب وفقه الله تعالى هو من تولى إعداد وإخراج كتاب الإفهام شرح بلوغ المرام للشيخ عبدالعزيز الراجحي حفظه الله، ولم يشر وفقه الله لاسمه في طرة الكتاب، ولم يضعه بالخط العريض، وإنما إشارة يسيرة في المقدمة اقتضاها العمل.
نسأل الله أن يزيدنا وإياه من فضله.
¥