تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قلتُ: وكيعُ بنُ الجرَّاحِ ثقةٌ حافظٌ، إلاَّ أنَّ الإمامَ أحمدَ بنَ حنبلٍ سُئِلَ: إِذَا اخْتَلَفَ وكيعٌ وعبدُ الرَّحمنِ بنُ مهديٍّ، بقولِ مَنْ نأخُذُ؟ فقالَ: " نُوافقُ عبدَ الرَّحمنِ أكثر، وخاصَّةً في سفيانَ، كَانَ مَعْنِيّاً بحديثِهِ "، وسُئِلَ أبو دَاوُدَ: أَيُّما أحفظُ؛ وكيعٌ أَوْ عبدُ الرَّحمنِ؟ قالَ: " وكيعٌ أحفظُ، وعبدُ الرَّحمنِ أَتْقَنُ "، وقالَ عليُّ بنُ المدينيِّ: " مَا رأيتُ أعلمَ بالرِّجالِ منْ يحيى القطَّانِ، وَلاَ رأيتُ أعلمَ بصوابِ الحديثِ والخطإ منِ ابنِ مهديٍّ "، وقالَ الذَّهبيُّ في " السِّير " (9/ 152): " فالَّذِي أعتقدُهُ أَنَا أنَّ عبدَ الرَّحمنِ أعلمُ الرَّجلينِ، وأفضلُ، وأتقنُ، وبكلِّ حالٍ هُمَا إِمَامَانِ نظيرانِ ".

أقولُ: وأنتَ تَرَى أنَّ عبدَ الرَّحمنِ بنَ مهديٍّ قَدْ خَالَفَ وكيعاً في هَذَا الحديثِ، وقَدْ تَابَعَهُ يحيى بنُ سعيدٍ القطَّانُ، وغيرُهُ منْ أصحابِ الثَّوريِّ _ كَمَا مرَّ آنفاً _، ويحيى القطَّانُ أَثْبَتُ منِ ابنِ مَهْديٍّ ووكيعٍ في الثَّوريِّ، قالَ الدُّوريُّ عنِ ابنِ معينٍ: " يحيى القطَّانُ أَثْبَتُ من ابنِ مَهْديٍّ في سفيانَ "، وقال أبو زُرْعةَ الدِّمشقيُّ: " قلتُ لابنِ معينٍ: يحيى القطَّانُ فوقَ ابنِ مَهْديٍّ؟ قالَ: نَعَمْ "، وقالَ الإمامُ أحمدُ: " يحيى بنُ سعيدٍ أَثْبتُ منْ هؤلاءِ _ يعني: ابنَ مَهْديٍّ، ووكيعاً، وغيرَهُمَا _ ".

وَمَعَ ذَلِكَ؛ فهوَ قَدْ وَافَقَ ابنَ مَهْديٍّ عَلَى هَذِهِ الرِّوايةِ، فَتَرَجَّحَتْ رِوَايَتُهُمَا على روايةِ وكيعٍ، وممَّا يدلُّ على أنَّ وكيعاً قَدْ أخطأَ فِيهَا، أنَّ محمَّدَ بنَ سعدٍ _ وَهُوَ صَدُوقٌ _ قَدْ رَوَى هَذَا الحديثَ عنهُ، فوافقَ أصحابَ سفيانَ الثَّوريِّ في عَدَمِ ذِكْرِهِمْ: (عنْ أبيه) في هَذِهِ الرِّوايةِ.

فَقَدْ قالَ ابنُ سعدٍ في " الطَّبقاتِ " (7/ 36): أخبرنا وكيعُ بنُ الجرَّاحِ؛ قالَ: حدَّثنا سفيانُ، عنِ الأغرِّ المنقريِّ، عنْ خليفةَ بنِ الحُصينِ، عنْ قيسِ بنِ عاصمٍ، فَذَكَرَهُ بنحوِهِ.

وتابع ابنَ سعدٍ عليهِ: سعدانُ بنُ نصرٍ _ وَهُوَ صَدُوقٌ أيضاً _، أخرجَهُ البيهقيُّ في " السُّنن الكبرى " (1/ 171 _ رقم:779) منْ طريقِهِ؛ قالَ: حدَّثنا وكيعٌ، عن سفيانَ، به نحوه.

لِذَلِكَ قَالَ الحافظُ ابنُ حَجَرٍ في " النُّكتِ الظِّرافِ " (8/ 290 _ حاشية " التُّحفة ") _ بعدَ إِيرادِهِ لِرِوَايَةِ وكيعٍ _: " إنَّهُ خطأٌ، ليسَ فِيهِ: (عنْ أبيه)، حَكَاهُ ابنُ أبي حاتمٍ في " العللِ "، وَهَكَذَا رَوَاهُ أبو خيثمةَ، وغيرُ واحدٍ، عنْ وكيعٍ ".

قلتُ: وأمَّا قبيصةُ بنُ عقبةَ فقدْ قالَ عنهُ ابنُ معينٍ: " قبيصةُ ثقةٌ في كلِّ شيءٍ إلاَّ في حديثِ سفيانَ، فليس بِذَاكَ القويِّ؛ فإنَّهُ سمعَ منهُ وَهُوَ صغيرٌ "، وَرَوَى حنبلٌ عنْ أبي عبدِ اللَّهِ أحمدَ بنِ حنبلٍ قالَ: " كَانَ كثيرَ الغَلَطِ، وَكَانَ صغيراً لاَ يضبطُ، قلتُ لأبي عبدِ اللَّهِ: فَفِي غيرِ سفيانَ؟ قالَ: كَانَ رجُلاً صالحاً ثقةً، لاَ بأسَ به في بدنِهِ، وَأَيُّ شيءٍ لَمْ يكنْ عندَهُ؟ _ يعني: أنَّهُ كثيرُ الحديثِ _ ".

وقالَ الإمامُ الذَّهبيُّ في " السِّير " (10/ 133): " الرَّجُلُ ثقةٌ، وَمَا هُوَ في سفيانَ كابنِ مَهْديٍّ ووكيعٍ، وَقَدْ احْتجَّ بِهِ الجماعةُ في سفيانَ وغيرِهِ ".

لذلكَ قالَ عنهُ الحافظُ ابنُ حَجَرٍ في " التَّقريبِ " (2/ 122): " صَدُوقٌ، رُبَّمَا خَالَفَ ".

أقولُ: وَهَذَا ممَّا خَالَفَ فيهِ، ويُؤكِّدُ هَذَا أنَّ أبا دَاوُدَ الحَفَريَّ قَدْ خالفَهُ في رِوَايَتِهِ هذِهِ، وقَدْ قَالَ عبَّاسٌ الدُّوريُّ: " سمعتُ يحيى بن معين يُقدِّمُ الحَفَريَّ في حَدِيثِ سفيانَ عَلَى محمَّدِ بنِ يوسفَ الفِرْيابيِّ، وقبيصةَ ".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير