قلت: كلامُ الدكتور مِسْفر هذا فيه نظرٌ، فأَبَان بن أبي عيَّاش لا يروي عن أنسٍ ما سمعه من الحسن عن أنسٍ، بل هو يجعلُ كلامَ الحَسَنِ أحاديث مرفوعة إلى النَّبيِّ _ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ _ من طريق أنسٍ،كما هو ظاهر كلامِ ابنِ حبَّانَ، ولذلك كثرت روايته عن أنسٍ حتى بلغت أكثر من ألفٍ وخمسمائة حديثٍ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
• النموذجُ الثَّاني:
[ومن الأخطاء]_ محمَّد بن يحيى بن محمَّد بن مَوَاهب بن إسرائيل، أبو الفتح، البَرَدَانيُّ (11).
قال ابنُ الدُّبَيْثيِّ: " وبعض المحدِّثين يتَّهمونه بالتَّحديثِ بما لم يسمعه، ولم أقف له على ما ينافي الصِّحَّة " (12).
وقال ابنُ النَّجَّارِ: " روى لنا عنه أبو الفتوح بن المِصْريِّ، وسألته عنه فقال: كان صالحاً، إلاَّ أنَّه لعب به الصِّبيان؛ وقالوا له: لو ادَّعيت سماع المقامات فكان يحصل لك بروايتها شيءٌ كثيرٌ من المحتشمين، وحسَّنوا له ذلك، فادَّعى سماعها، فنهيته عن ذلك، فصار يدعو عليَّ، وما أدري حدَّثَ بها أم لا " (13).
قلت: يُستفادُ من كلامِ الأئمَّةِ السَّابق أنَّه اتُّهِم بالكذبِ لتحديثه بما لم يسمع، ولا يُفهم من كلامهم أنَّه كان يُدلِّسُ، لذا لخَّصَ الإمامُ الذَّهبيُّ العبارة فيه فقال: " اتُّهِمَ " (14)، والعجب من الدكتور مِسْفر حيث نقل الأقوال السَّابقة فيه ثمَّ قال: " تحديثه بما لم يسمعه تدليسٌ، وادِّعاؤه سماعَ المقاماتِ يُؤكِّدُ ذلك، ومن ادَّعى سماع ما لم يسمع سَهُلَ عليه التَّحديث به؛ لأنَّه من مسموعاته في دعواه، وأحسبه من أهل المرتبةِ الخامسةِ، واللَّه أعلم " (15)!!.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
• النموذج الثالث:
[ومن الأخطاء]_ إسماعيل بن أوسط، البَجَليُّ، أمير الكوفة (16).
قال الحافظُ ابنُ حِبَّانَ: " لا يصحُّ له صحبة لصحابيٍّ، وتلك كلُّها أخبارٌ مُدلَّسةٌ؛ لا أعتمد على شيءٍ منها " (17).
قلت: الظاهرُ من كلامِ ابنِ حِبَّانَ أنَّه قصد الإرسال، فهو كثيراً ما يستخدم هذه العبارة في كتابه " مشاهير علماء الأمصار "، ويستخدمها بعض الشيء في كتابه " الثقات "؛ ومراده منها هذا الذي ذكرناه، فمثلاً قال عن عطاءٍ الخُراسانيِّ: " وعطاء لم يَرَ أحداً من الصَّحابةِ، روايته عنهم كلُّها مُدلَّسة " (18)، فابن حِبَّان ممَّن يتوسع في التَّدليس فيدخل فيه بعض صور الإرسال، وقد جاء هذا صريحاً عنه؛ حيث قال _ في النَّوع الثامن عشر من أنواع جرح الضُّعفاء _: " ومنهم المُدلِّس عمَّن لم يَرَه " (19)، لذا لا أرى إدخاله في المدلِّسين، خلافاً لمن أدخله من المعاصرين، واللَّه أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
• النموذج الرابع:
] ومن الأخطاء [_ إبراهيم بن عبد اللَّه بن خالد، المِصِّيصيُّ (20).
قال ابن حبَّان: " يُسوِّي الحديث، ويسرقه، ويروي عن الثقات ما ليس من أحاديثهم " (21).
قال الحافظُ ابنُ حَجَرٍ _ مُفسِّراً كلامَ ابنِ حبَّانَ السَّابق _: " ومعنى تسوية الحديث: أنَّه يحذف من الإسناد من فيه مقالٌ (22)، وهذا يطلق عليه تدليس التَّسوية " (23).
قلت: كذا فسَّره الحافظُ ابنُ حَجَرٍ، لكنَّ الحافظَ برهانَ الدِّينِ الحَلَبيَّ فسَّرَ التَّسْوية هنا بالوضع؛ حيث قال: " ويُسوِّيه مقتضاه أنَّه يضع " (24)، وتفسيره هذا هو الأقرب للصواب من تفسير الحافظِ ابنِ حَجَرٍ، لأنَّ الحافظَ ابنَ عَدِيٍّ ذكر في ترجمة سفيان بن محمَّد الفَزَاريِّ أنَّه: " يسرقُ الحديثَ، ويسوِّي الأسانيدَ " (25)، وفسَّر تسوية الإسناد بتغيير الإسناد، وإبدال رجاله برجال آخرين.
فقد أخرج ابنُ عَدِيٍّ من طريق سفيان بن محمَّد الفَزَاريِّ قال: حدَّثنا منصور بن سلمة، حدَّثنا سليمان بن بلال، عن جعفر بن محمَّد، عن أبيه، عن جابر، عن النَّبيِّ _ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ _ قال: " إذا رأيتُم على مِنْبري فاقتلوه _ يعني فلاناً (26) _ ".
¥