وأما من كثر منه ارتكاب الصغائر ومع ذلك كثر منه مخالفة المروءة ولم يبلغ أن يقال معاصيه أغلب من طاعاته فهذا محل النظر، وفصل ذلك إلى المعدل: فإن كان يجد نفسه غير مطمئنه إلى صدقه فليس ممن يرضى وقد قال الله عز وجل:?ممن ترضون من الشهداء?.
فصل7
التفسيق منوط بالإثم، فمن ارتكب مفسقاً جاهلاً أو ناسياً أو مخطئاً فلم نؤثمه لعذره فكذلك لا نفسقه.
راجع كلام الشافعي رحمه الله تعالى في الأم (6/ 310).
فصل ـ 8
ما تقرر في الشرع أنه كبيرة إذا وقع من الإنسان فلتة، كمن أغضبه إنسان فترادا الكلام حتى قذفه على وجه الشتم ففي الحكم بفسقه نظر لأن مثل هذا لا يوجب سوء ظن الناس بالمشتوم، فإن سامع مثل هذا قد يفهم منه الشتم فقط، لا أن الشاتم يثبت نسبة الفاحشة إلى المشتوم.
والذي يدفع الإشكال من أصله أن يتوب ويستغفر، فعلى فرض أنها كبيرة فقد تاب منها، وقد تقرر في الشرع أن التوبة تجب ما قبلها، وأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وعلى هذا يحمل ما روي عن أبي داود الطيالسي عن شعبة أنه ذكر أبا الزبير: محمد بن مسلم بن تدرس وسماعه منه قال: " فبينا أنا جالس عنده إذ جاءه رجل فسأله عن مسألة فرد عليه، فافترى عليه فقلت له: يا أبا الزبير تفتري على رجل مسلم؟! قال: إنه أغضبني، قلت: ومن يغضبك تفتري عليه؟! لا رويت عنك شيئاً " ذكر هذا في ترجمة أبي الزبير في التهذيب، لكن قال في ترجمة محمد بن الزبير التميمي: " وأسند ابن عدي من طريق أبي داود الطيالسي قلت لشعبة: مالك لا تحدث عن محمد بن الزبير؟ فقال: مر به رجل فافترى عليه، فقلت له، فقال: إنه غاظني ".
واتفاق القصة لكل من الرجلين: محمد بن الزبير، ومحمد بن مسلم بن الزبير ليس بممتنع، لكن تقارب الاسمين يقرب احتمال الخطأ، والله أعلم.
وفي ترجمة أبي حصين: عثمان بن عاصم الأسدي الكوفي في التهذيب: " وقال وكيع: ك ان أبو حصين يقول: أنا أقرأ من الأعمش، فقال الأعمش لرجل يقرأ عليه: اهمز الحوت، فهمزه، فلما كان من الغد قرأ أبو حصين قرأ في الفجر نون فهمز الحوت، فقال له الأعمش لما فرغ: أبا حصين كسرت ظهر الحوت فقذفه أبو حصين، فحلف الأعمش ليحدنه، فكلمه فيه بنوا أسد فأبى، فقال خمسون منهم فغضب الأعمش وحلف أن لا يساكنهم وتحول عنهم ".
أقول: هذه الرواية منقطعة؛ لأن أبا حصين توفي قبل مولد وكيع أو بعده بقليل على اختلاف الروايات في ذلك.
فإن صحت فهمز الحوت معناه أن يقال: " حؤت" بهمزة بدل الواو، وهي لغة قد قرأ ابن كثير ?بالسؤق و الأعناق? قالوا: " وكان أبو حية العميري يهمز كل واو ساكنة قبلها ضمة"روح المعاني (7/ 354).
فكأن أبا حصين ظن أن مراد الأعمش بقراءة " الحؤت" مهموز إظهار أنه يعرف مالا يعرف غيره فقرأ بها أبو حصين إعلاماً بأنه يعرفها.
فأما القذف فلم يرد به أبو حصين ا لإثبات، وإنما هو شتم جرّ إليه الغضب، ولم يلتفت أحد من أئمة الحديث والفقه إلى هذه القصة، بل احتجوا بأبي حصين، وأطالوا الثناء عليه.
ـ[عبدالرحمن الفقيه.]ــــــــ[05 - 07 - 04, 03:17 م]ـ
فصل ـ 9
في المبتدع
البدعة التي جرت عادتهم بالبحث عن صاحبها عند الكلام في العدالة هي البدعة في الاعتقاديات وما بني عليها أو ألحق بها.
وأهل العلم مختلفون في هذا الضرب من البدعة أن يكون جرحاً في عدالة صاحبه والذي يظهر لي أنه ينبغي أولا النظر في أدلة تلك المقالة، ثم في أحوال الرجل وأحوال عصره وعلاقته بها، فإن غلب على الظن بعد الإبلاغ في التثبت والتحري أنه لا يخلوا إظهاره تلك المقالة عن غرض دنيوي: من عصبيته، أو طمع في شهرة، أو حب دنيا، أو نحو ذلك فحقه أن يطرح، وكذلك إن احتمل ذلك احتمال ذلك احتمالا قوياً بحيث لا يغلب على ظن العارف به تبرئته مما ذكر.
وإن ظهر أنما أدّاه إليها اجتهاده، وابتغاؤه الحق، وأنه حريص على إصابة الحق في اتباع الكتاب والسنة فلان ينبغي أن يجرح بمقالته، بل إن ثبتت عدالته فيما سوى ذلك،وضبطه، وتحريه، نظر في درجته من: العلم، و الدين، و الصلاح، و التحري، والتثبت فإن كان عالي الدرجة في ذلك احتج به مطلقاً وإلا فقد قبل منه مالا يوافق مقالته، ويتوقف عما يوافقها لموضع التهمة.
¥