تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أحمد الأقطش]ــــــــ[12 - 07 - 09, 12:19 م]ـ

ج) التنبيه الثالث: أن ينبغي لنا التنبه إلى أن سبب بعض انتقاد لهذا الحديث إنما هو مخالفة متنه في الظاهر للقرآن، ولذلك اختلف ابن المديني والبخاري في تعيين العلة في الإسناد، ولو كان الإشكال في الإسناد نفسه لما اختلفوا، وعليه فمرد انتقادهم للإسناد انتقادهم للمتن، ومن ثم يمكن إجمال الانتقاد الوارد على هذا الحديث من جهتين؛ المتن، وهي السبب الرئيسي في الانتقاد، والإسناد، وهي مترتبة على التي قبلها، غير أني سأبدأ بالانتقاد الموجه للإسناد أولاً، ثم ما يمكن أن يجاب به عليه، وسأثني بالانتقاد الموجه للمتن، ثم ما يمكن أن يجاب به عليه. للمعلمي كلام نفيس مشهور في هذا السياق، إذ يقول في مقدمة الفوائد المجموعة: ((إذا استنكر الأئمة المحققون المتن وكان ظاهر السند الصحة، فإنهم يتطلبون له علة ... )) إلى آخر كلامه.

والطعن في المتن مِن أشدّ صنوف النقد بخلاف الطعن في الإسناد، فقد يضعف الحديث من طريق ويصحّ من طريق آخر. أما الطعن في المتن فطعن في السند بالضرورة، ولذلك في بعض الأحيان يكتفي الناقد بردّ المتن دون التعريج على السند، فيأتي مَن بعده فيقول: كيف والرواة ثقات!

ـ[أحمد الأقطش]ــــــــ[12 - 07 - 09, 01:29 م]ـ

الحمد لله، إذن المشكلة في الأساس مخالفة المتن عندك للقرآن في الأساس عندي مشكلتان لهذا الحديث:

الأولى: في السند:

- وهي احتجاج الإمام مسلم بهذا الحديث في الأصول، فإنه كان يُخرج في كتابه لابن جريج عن إسماعيل بن أمية في المتابعات، فإذا به يجعل هذا الحديث أصلاً في باب (ابتداء الخلق وخلق آدم عليه السلام) وهو الحديث الوحيد في الباب!

- ثم تدليس ابن جريج وأخذُه عن إبراهيم بن أبي يحيى

- ثم الانقطاع بين إسماعيل بن أمية وأيوب بن خالد، وكان أئمة النقد يقولون في مثل هذه الحال: ((فلان عن فلان لا يجيء)).

- ثم الانقطاع بين أيوب بن خالد وعبد الله بن رافع، فهو لم يسمع منه كما نبّه عليه أبو زرعة. ومَن جعله مِن شيوخه كان مُستنده هذا الحديث.

وأما مشكلة المتن، فقد فصَّلتُها في مكانها.

وأما الإحالة على إبراهيم بن أبي يحيى فليس موجباً للحكم بالوضع، كما لا يخفى عليك فيما أحسب، فإن إبراهيم وإن كان أكثر الأئمة على ترك حديثه إلا أنه منهم من يقبله، وأكثر ما نقموا عليه الابتداع، وكثير من الأئمة إذا كان الرجل مبتدعاً أو رأساً في البدعة أطلقوا عليه وصف الكذب يقصدون في دينه أي بدعته، وقد كان الإمام الشافعي ينزهه عن الكذب، فيقول كما في تهذيب الكمال (2/ 188): "لأن يخر إبراهيم من بُعُدٍ أحب إليه من أن يكذب وكان ثقة في الحديث"، وكان أحيانا يقول عنه: أخبرني من لا أتهم". إبراهيم بن أبي يحيى بانَ للأئمة مِن حاله ما لم يبن للإمام الشافعي، فقد خبروا حاله وحال مرويّاته. وإنما وثّقه الشافعي لأنه جالسه في صغره كما قال ابن حبان في المجروحين في ترجمة إبراهيم: ((وأما الشافعي فإنه كان يجالسه في حداثته ويحفظ عنه حفظ الصبي، والحفظ في الصغر كالنقش في الحجر. فلما دخل مصر في آخر عمره، فأخذ يصنّف الكتب المبسوطة، احتاج إلى الأخبار ولم يكن معه كتب. فأكثر ما أودع الكتب مِن حِفظه، فمن أجله ما روى عنه، وربّما كنَّى عنه ولا يسمّيه في كتبه)). اهـ

ثم إنهم لمّا وصفوه بالكذب، لم يجعلوا بدعته سبباً في ذلك، بل فصلوا هذا عن ذاك. قال ابن حبان في المجروحين في ترجمة إبراهيم: ((كان مالك وابن المبارك ينهيان عنه، وتركه يحيى القطان وابن مهدي، وكان الشافعي يروي عنه. وكان إبراهيم يرى القدر، ويذهب إلى كلام جهم، ويكذب مع ذلك في الحديث.

أخبرنا محمد بن المنذر قال: حدثنا أبو زرعة قال: قال لي أحمد بن حنبل: قال يحيى بن سعيد القطان: "لم يترك إبراهيم بن أبي يحيى القدر، إنما ترك الكذب".

أخبرنا محمد بن سعيد القزاز قال: حدثنا أبو زرعة قال: حدثنا دحيم قال: حدثنا مؤمل بن إسماعيل قال: سمعتُ يحيى بن سعيد القطان يقول: "أشهد على إبراهيم بن أبي يحيى أنه يكذب".

... سمعتُ محمد بن المنذر يقول: سمعتُ عباس يقول: سمعتُ يحيى بن معين يقول: إبراهيم بن أبي يحيى كذاب، وكان رافضياً قدرياً)). اهـ

فأنتَ ترى أن الأئمة فرّقوا بين بدعته وبين كذبه، فهما جرحان لا جرح واحد. فكان إبراهيم يتعمّد الكذب ويضع الأحاديث، كما نصّ على ذلك ابن حبان في المجروحين في النوع الرابع: ((ومنهم مَن كان يضع الحديث عند الحوادث تحدث للملوك وغيرهم في الوقت دون الوقت، مِن غير أن يجعلوا ذلك لهم صناعة ليتشوّقوا بها)) وضرب أمثلة لذلك منها: ((أخبرنا الضحاك بن هارون بجنديسابور قال: حدثنا الأصفري قال: حدثنا المعيطي قال: سُئل إبراهيم بن أبي يحيى عن رجل أعطى الغزل إلى الحائك، فنسج له وفضل منه خيوط. فقال صاحب الثوب: هو لي. وقال النساج: هو لي. فالخيوط لمن؟ فقال إبراهيم: حدثني ابن جريج عن عطاء: إن كان صاحب الثوب أعطاه للاردهالج، فالخيوط له، وإلاّ فهو للحائك)). اهـ

وعلى كل حال فإن مجرد الإحالة عليه لا تدل على القول بالوضع إلا إذا كان الراوي معروفاً بالوضع، وأما نسبة الكذب إليه فليس ذلك مسوغاً للقول بأن الإمام حكم على الحديث بالوضع لما علم من أن الكذب يطلق عند المحدثين كثيراً على سرقة الحديث، وهذا هو الذي يتهم به ابن أبي يحيى، وأما وضع الأحاديث رأساً فليس ذلك عنده فيما أحسب. الحديث الذي تفرّد به راوٍ كذاب كيف لا يكون موضوعاً! فابن المديني قال: ((إبراهيم بن أبي يحيى كذاب) وقال في هذا الحديث: ((وما أرى إسماعيل بن أمية أخذ هذا إلا من إبراهيم بن أبي يحيى)). ولا إخالُ هذا الأمرَ مِن الغموض حتى يُتكلَّف في تأويل كلام أئمة النقد.

والله تعالى أعلى وأعلم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير