وقد أخرج الإمام أحمد في مسنده عن الطيالسي، عن عمران القطان، عن قتادة، عن أنس= حديثين -فيما وجدت-، وأخرج من سلسلة عمران، عن قتادة، عن أنس= ثلاثة أحاديث -فيما وجدت-، ولو كان يصح هذا الحديث عن أبي داود، أو عن عمران؛ لكان أخرجه؛ لأنه من عزيز ما يقع عليه المسنِد من أسانيد.
فتفرُّد هذا المجهول الأصبهاني بهذا الحديث محل نكارة، ويبعد معه تصحيح الإسناد أو تقويته.
ثم لو صح -جدلاً- عن أبي داود، عن عمران، فأين أصحاب قتادة عن هذا الحديث؛ بهذا الإسناد الصحيح المشهور (قتادة عن أنس)؟!
وكيف يتفرد به عمران القطان؛ مع أن فيه ضعفًا، ويتركه شعبة وابن أبي عروبة والدستوائي وغيرهم من أثبات أصحاب قتادة وملازميه وحفَّاظ حديثه؟!
هذا لا يقبل في ميزان النقد الحديثي الصحيح.
فهذا الإسناد فردٌ غريبٌ، لم يخرَّج إلا في كتب القرن الرابع، وهو إسناد منكر، ولم يعرفه الإمام أحمد لما حُكي له، وهذا يفيد أن منشأ الإسناد توهُّمٌ من بعض الرواة ممن جاء بعد الإمام أحمد، أو على عهده، وليس له أصل صحيح، ولا يصح الاستشهاد له ولا الاستشهاد به؛ لأنه -كما سبق- وهم وخيال في ذهن الراوي، ليس له حقيقة، ولم تُحدِّث به رواتُه.
وأما حديث أنس من طريق إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة، فقد بيَّن الشيخ الألباني -رحمه الله- أن في إسناد الطبراني في الأوسط: كثير بن مروان، وهو متروك.
لكن قد اختُلف عن معاوية بن يحيى -الراوي عن كثير- في تسمية شيخه:
- فقيل عنه: كثير بن مروان، وهي هذه الرواية، وقد أخرجها الطبراني عن أحمد بن عبدالوهاب بن نجدة، عن علي بن عياش، عن معاوية بن يحيى، عن كثير بن مروان، عن أبي خالد الدالاني، به.
- وقيل عنه: عباد بن كثير، وذلك فيما أخرجه ابن حبان -في المجروحين (2/ 168) - عن أحمد بن يحيى بن زهير التستري الحافظ، عن عمر بن الخطاب السجستاني، عن علي بن عياش، عن معاوية بن يحيى، عن عباد بن كثير، عن الدالاني، به.
ومعاوية بن يحيى نفسه فيه كلام، ولعله اضطرب فيه، وإن كانت رواية ابن حبان أقوى من رواية الطبراني؛ لأن الخلاف حقيقةً عن علي بن عياش، وعمر بن الخطاب السجستاني (راوي الوجه الثاني عنه) أقوى -فيما يظهر- من أحمد بن عبدالوهاب بن نجدة (راوي الوجه الأول).
ويؤيد ذلك: أنه قد جاء عن عباد بن كثير على وجهين آخرين -كما سيأتي-، مما يدل على أنه هو مخرج الحديث، لا كثير بن مروان.
وعباد بن كثير هذا هو البصري؛ إذ قد أخرج ابنُ حبان الحديثَ في ترجمته، وقال فيها: (وهو الذي روى عن أبي خالد الدالاني، عن إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة، عن أنس ... )، ثم ساق الحديث.
ثم قال الشيخ الألباني -رحمه الله- بعد أن بيَّن أن كثير بن مروان متروك:
قلت: و شيخه الدالاني ضعيف. لكن قد توبع , فأخرجه أبو نعيم في " الطب " (12/ 1 - 2) و الخطيب في " الموضح " (2/ 81 - 82) من طريق عباد بن كثير عن سيار الواسطي عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة به , و زاد في أوله: " لا تصبحوا ".
قلت: لكن سيار الواسطي لم أعرفه. و عباد بن كثير إن كان الرملي فضعيف , و إن كان البصري فمتروك.
والخطيب إنما رواه في الموضح من طريق الدارقطني في الأفراد، ونقل كلام الدارقطني بعقبه مباشرة، قال: قال أبو الحسن -يعني: الدارقطني-: (تفرد به أبو الحكم سيار بن وردان عن إسحاق، وتفرد به عنه عباد بن كثير، ولم يروه عنه غير إسماعيل بن عياش).
ولو نظر الشيخ الألباني -رحمه الله- في هذا لعرف سيارًا، وهو سيار بن وردان العنزي الواسطي، وهو ثقة.
وأما الراوي عنه؛ فإنه عباد بن كثير البصري لا الرملي؛ لأن الراوي عنه هنا: إسماعيل بن عياش، ورواية إسماعيل بن عياش عن البصري معروفة ومخرجة في سنن ابن ماجه، وعليه ذكر المزي إسماعيل في الرواة عن البصري.
ويؤيده: أنه قد سبق عنه وجه آخر أخرجه ابن حبان في المجروحين، وعيَّنه هناك بالبصري، فالبصري هو مخرج الحديث.
ورواية إسماعيل بن عياش عنه علة أخرى للحديث، فمن المعلوم أن رواية إسماعيل بن عياش عن غير الشاميين فيها تخليطات ومناكير.
لكن قد أخرجه أبو نعيم في الطب النبوي (151) من طريق ابن أبي فديك، عن عباد، عن أبي إسحاق الواسطي، عن إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة، عن أنس، به.
فالأشبه أن هذا اضطرابٌ من عباد نفسه؛ يرويه مرة عن أبي خالد الدالاني، ومرة عن سيار بن وردان، ومرة عن أبي إسحاق الواسطي.
وعباد ضعيف متروك الحديث، على أنه كان رجلاً صالحًا.
والله وحده الموفق للصواب، وهو المستعان.
ـ[محمد بن عبدالله]ــــــــ[06 - 10 - 09, 06:41 م]ـ
وابن المقرئ في معجمه (647)
صواب العزو: (675).
ـ[ابو عبد الله الهلالى]ــــــــ[25 - 03 - 10, 11:08 م]ـ
قال الخلال في علله (المنتخب): "سألتُ أبا عبد الله_يعني أحمد بن حنبل _: أتعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "قيلوا فإن الشياطين لا تقيل"؟ فقال: لا أعرفه، إنما هذا عن منصور، عن مجاهد، عن عمر".
ومجاهد لم يسمع من عمر وعلى هذا فالحديث لايصح مرفوعاً ولا موقوفاً
¥