وَأَطْلَقَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ الْقَوْلَ بِتَوْثِيقِهِ، فَقَالَ «الْكَاشِفُ» (1/ 556): «ثِقَةٌ تُوُفِّي سَنَةَ 126».
فَإِنْ قِيلَ: فَالْحَدِيثُ قَدْ تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَلا مُتَابِعَ لَهُ!.
فَرُدَّ مَا قِيلَ بِفَرْدِ الثِّقَةِ ... كالنَّهْي عَنْ بَيْعِ الْوَلاَ وَالْهِبَةِ
وَقَوْلِ مُسْلِمٍ: رَوَى الزُّهْرِيُّ ... تِسْعِينَ فَرْدَاً كُلُّهَا قَوِيُّ
فَلَيْسَ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْحَدِيثِ أَنْ يُتَابَعَ الرَّاوِي الثِّقَةُ، وَهَذِهِ أَفْرَادُ الثِّقَاتِ أَمْثَالِ: الزُّهْرِيِّ، وَالأَعْمَشِ، ويَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، وشُعْبَةَ، وَمَنْ دُونَهُمْ فِي نَبَاهَةِ الْقَدْرِ وَشُيُوعِ الذِّكْرِ أَمْثَالِ: شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، وعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى الْمَوَالِ، مَزْبُورَةٌ فِي «الصِّحَاحِ»، وَمُحْتَجٌ بِهَا، وَلَمْ نَسْمَعْ مِنْ أَحَدٍ مِمَّنْ يُحْتَجُّ بِهِ قَوْلَهُ: كَيْفَ أَوْدَعَهَا الْبُخَارِيُّ فِي «الصَّحِيحِ»، وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهَا فُلانٌ أَوْ فُلانٌ مِنْ هَؤُلاءِ الثِّقَاتِ!.
وَأَعْدَلُ شَاهِدٍ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ: حَدِيثُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» الْحَدِيثَ. فَهَذَا مِمَّا تَفَرَّدَ عَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ عَنْ عُمَرَ بِهِ، وَتَفَرَّدَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بِهِ عَنْهُ، وَتَفَرَّدَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأنْصَارِيُّ بِهِ عَنْهُ.
وَمِنْ أَعْجَبِ شَوَاهِدِهِ: مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِى «كِتَابِ الأَذَانِ» (579. فتح) قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ ثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
فَهَذَا مِمَّا تَفَرَّدَ ابْنُ الْمُنْكًدِرِ عَنْ جَابِرٍ بِهِ، وَتَفَرَّدَ شُعَيْبُ بْنُ أَبِى حَمْزَةَ الْحِمْصِيُّ بِهِ عَنْهُ، وَتَفَرَّدَ عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ الألْهَانِيُّ بِهِ عَنْهُ.
وَابْنُ أبِي ذَئِبٍ بِهَذِهِ السَّبِيلِ، فهُوَ ثِقَةٌ ثَبْتٌ حُجَّةٌ فِى رِوَايَتِهِ عَنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، إِلا فِى حَدِيثِهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ خاصَّةً، وَسَبِيلُ الاحْتِجَاجِ بِمَفَارِيدِهِ وَغَرَائِبِهِ بِنَحْوِ سَابِقِيهِ مِنَ الثِّقَاتِ.
وَمِمَّا احْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ مَفَارِيدِهِ وَغَرَائِبِهِ: مَا أَخْرَجَهُ فِي «كِتَابِ الْبُيُوعِ» (2059) قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ ثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لا يُبَالِي الْمَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ، أَمِنَ الْحَلالِ أَمْ مِنَ الْحَرَامِ».
وَلَوْ شِئْتُ أَنْ اسْتَقْصِي مَفَارِيدَ ابْنِ أَبِى ذِئْبٍ وَغَرَائِبِهِ، مِمَّا صَحَّحَهُ الأئِمَّةُ، لَطَالَ الْمَقَامُ.
وَيُتْبَعُ بِتَوْفِيقِ اللهِ وَعَوْنِهِ.
ـ[أبو محمد الألفى]ــــــــ[28 - 04 - 09, 11:04 م]ـ
[3] وَأَمَّا الاضْطِرَابُ عَلَى مَتْنِهِ وَإِسْنَادِهِ.
وَهُوَ قَوْلُ الْحَافِظِ الزَّكِيِّ الْمُنْذِرِيِّ طَيَّبَ اللهُ ثَرَاهُ: «اخْتَلَفَ الرُّوَاةُ فِي مَتْنِهِ وَإِسْنَادِهِ اخْتِلافَاً كَثِيْرَاً»، وَقَوْلُ الْحَافِظِ شَمْسِ الدِّينِ ابْنِ الْقَيِّمِ طَيَّبَ اللهُ ثَرَاهُ: «اضْطَرَبُوا فِي مَتْنِهِ وَإِسْنَادِهِ اضْطِرَابَاً شَدِيدَاً»!.
¥